تحدثنا في المقال السابق عن الاكتئاب بشكل عام وكيف يصنَّف كنوع من الأمراض وليس مجرد تغيُّر في المزاج، وعن الأسباب التي قد تؤدي إلى حدوث اكتئاب وكيف أن الأمر ليس بُعداً عن الدين أو ضعف إرادة أو صدمة نفسية.
واليوم، نكمل ما بدأتْه حادثة انتحار "شريف" في الحديث عن هذا المرض الذي يسحب الحياة من الإنسان في صمت مخيف حتى يزهد الناس أو الحياة نفسها.
نبدأ هنا الحديث عن التفسيرات المختلفة لأسباب الاكتئاب.
هناك طبعاً التفسير البيولوجي المعتمد على ما جاء ذكره في البداية "نقْص مستوى الناقلات العصبية في المخ والذي بدوره يؤدي إلى اختلال الوظائف الحيوية ابتداءً بالشهية والنوم والحالة المزاجية، مروراً بالنشاط العام والتركيز، وانتهاءً بفقدان الرغبة في الحياة وتمنّي التخلص منها أو محاولة ذلك.
يأتي بعده التفسير المعرفي، وهو يعتبِر الاكتئاب انحرافاً منهجياً سلبياً في عملية التفكير والتي بدورها تؤدي إلى المزاج الحزين وبقية أعراض الاكتئاب؛ ومن ثم فالاختلال المعرفي قد يؤدي إلى اضطراب في المزاج أو السلوك. وهنا نجد النظرة السلبية للذات والعالم المحيط والمستقبل، وتشتهر هنا بعض التشوهات المعرفية والتي يقع فيها الشخص المكتئب من دون قصد وبشكل متكرر:
1- التعظيم والتقليل: فدائماً ما يرى أفعاله أو أفكاره السلبية ضخمة ولا يُستهان بها وأفعاله الإيجابية لا يكاد يراها.
2- الشخصنة: فكل فعل سيئ هو بسببه أو هو موجَّه له ولا يرى الصورة الكلية.
3- التعميم الخاطئ
4- النظرة الأحادية للأمور: فإما أبيض وإما أسود، حسن أو قبيح، وغالباً ما يرى الرمادي في ناحية الأسود ومتوسط الحسن قبيحاً.
5- الاستنتاج الاختياري للسلبيات: فتراه يركز على الحدث السلبي الوحيد؛ ليتماشى مع رؤيته السيئة لما حوله.
كما يكون لديه الثلاثية التي ذُكرت سابقاً "العجز/ اليأس/ الإحساس بالدونية".
وهذه الثلاثية تفسر كيف أن محاولة مساعدة مريض الاكتئاب بحثِّه على بذل المزيد من الجهد للتحسن- لا تفيد في كثير من الأحيان؛ حيث إنها تزيد من اعتقاده مسؤوليته عما يحدث، وعندما يحاول -إن استطاع إلى ذلك سبيلاً- لا يكون الناتج كعادته؛ لأنه فقدَ جزءاً من تركيزه وطاقته بسبب الاكتئاب؛ فيزيد هذا من إحساسه بالعجز وفقدانه الأمل، ويزيد ذلك من إحساسه بالذنب تجاه من حوله.. وهكذا يدور في دائرة تخنقه كلما حاول خروجاً منها بالشكل المعتاد.
لكننا قد نساعده هنا بتخفيف إحساسه بالذنب وتوصيل أن هذا قابل للحدوث وأيضاً للزوال، مع مساعدته على قبول ضعفه أو عجزه الحالي.
ثم هناك تفسير المدرسة التحليلية، الذي يرى الاكتئاب وكأنه غضب تجاه الذات "فرويد" وهو يفسر ميل الشخص لإيذاء نفسه أو حتى قتلها.
والغريب أنه لا يوجد تفسير من هؤلاء صحيح يفسر الاكتئاب بمفرده، ولا نستطيع الإشارة لأحدهم بأنه خاطئ، فكل تفسير قد ينطبق على أحد مرضى الاكتئاب أو يساعد في علاج آخر.
بعد التفسيرات، نتحدث عن أعراض الاكتئاب وعلاجاته ومضاعفاته وعلاقة الدين والتدين بالاكتئاب والعلاج، في مقالات لاحقة إن شاء الله.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.