تاريخ الإسلام في كلمتين!

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/19 الساعة 04:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/06 الساعة 11:11 بتوقيت غرينتش

كنوع من تسهيل الإلمام بتاريخ الإسلام سأقدم هنا نظرةً شموليةً يمكن أن نلخّص بها تاريخه على أساس من حركته الجغرافية! فالإسلام كدين وسلطة في حركة دائبة لم تتوقف قطّ، ولكنه -في رأيي- مر حتى الآن بمرحلتين رئيسيتين: انتشار ثم انحسار.

أما مرحلة الانتشار فتمثلت بدايةً في الانتقال من وحدة القبيلة إلى وحدة الأمة، ومن ثم إلى الفاعلية السياسية والإنجاز الحضاري.

وتستغرق هذه المرحلة الفترة من بناء دولة أمة الإسلام في المدينة حتى سقوط صقلية ثم طليطلة.

وتضم هذه المرحلة حركة الفتوحات في صدر الإسلام والعصر الأموي (632م – 735م) وبدايات العصر العباسي تحديداً حتى غزو مدينة عَمُّوريَّة عام 218هـ.

كان وصول النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى واحة قُباء جنوب يثرب يوم الإثنين 23 سبتمبر/أيلول 622م/ 8 ربيع الأول من السنة الهجرية الأولى، بمثابة انتقال في كل شيء؛ خاصة إلى مرحلة بناء دولة للأمة الجديدة.

وكما نعرف فقد بقي النبي (صلى الله عليه وسلم) في قباء ضيفاً عند الصحابي كُلْثُوم بن الهِدْم، على الأرجح لمدة ثلاثة أيام اجتمع خلالها بكبار المهاجرين وكذلك بنقباء الأنصار، وبنى مسجد قباء، وبدأ ينظم أمورهم ويخطط للمستقبل.

وفي صباح يوم الجمعة 12 ربيع الأول/ 27 سبتمبر/أيلول 622م تحرك ركب النبي (صلى الله عليه وسلم) باتجاه وسط واحات المدينة حتى استقر في النهاية في منازل بني مالك بن النجار، ومن هناك كان يستطيع بالفعل أن يسيطر على سير الأحداث داخل المدينة ويبني دولته بداخلها.

وسرعان ما بدأ النبي (صلى الله عليه وسلم) بأولى خطوات التأسيس. واعتمد تخطيطه للمدينة على تحديد مركزها وتحريم باطنها.

وبدأ ذلك بأن بنى مسجده وابتنى حوله حجراته التي أقام فيها بقية عمره، فأصبح المسجد بذلك مركزاً للدولة الجديدة. ثم أمر بتمييز حدود المدينة وأطرافها، وربط المركز بالأطراف، واعتبر كل ذلك باطناً للمدينة وحرماً له فقال: "لكل نبي حرم، وحرمي المدينة". وبذلك خرجت الدولة الجديدة إلى الوجود. ثم قام بخطوة أخرى وهي إحصاء عدد المسلمين، وفي حديث حذيفة: "فَكَتَبْنَا لَهُ أَلْفاً وَخَمْسَ مِائَةِ رَجُلٍ فَقُلْنَا نَخَافُ وَنَحْنُ أَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ".

ثم وضع دستوراً جديداً للأمة الجديدة، وهو ما يعرف بـ(وثيقة المدينة)، وهي إحدى أهم الوثائق السياسية في تاريخ الإسلام. وقد وضع النبي (صلى الله عليه وسلم) هذا الدستور لدولة المدينة بالتفاهم مع مَن بها (مهاجرون وأنصار ويهود)؛ ليحدد لهم نظام العمل في شؤون الجماعة الداخلية والخارجية.

وجرت العادة على تقسيم مواد هذا الدستور إلى ثلاثة أقسام: مواد متعلقة بالمسلمين، ومواد متعلقة بالعلاقة مع اليهود، ومواد متعلقة بالشؤون العامة.

وقد بينت الوثيقة أيضاً الحدود الجغرافية لوطن الأمة الجديدة، وقد أقر النبي (صلى الله عليه وسلم) فيها كل قبيلة على أملاكها ولم يصادرها لصالح الدولة الجديدة. فمن ينضم للدولة الجديدة لا يفقد أي حق من حقوقه، وأعطى بذلك صيغة شرعية باعترافه لهم بذلك. وتُرك الدستور بعد ذلك مفتوحاً ليضاف إليه من الفقرات ما تمس إليه الحاجة، وما تدعو إليه ضرورات تطور الدولة الجديدة من تقنين وتنظيم.

بعد تأسيس دولة المدينة بدأ النبي (صلى الله عليه وسلم) توسيع أرضها بثلاث طرق: المغازي (الغزوات والسرايا)، وإرسال البعوث والرسائل، واستقبال الوفود. وعلى ثلاث مراحل: مرحلة فتح مكة، ومرحلة فتح شبه الجزيرة العربية، وأخيراً الردع وبدأ الفتوح في شمال شبه الجزيرة.

وتبعاً لحسين مؤنس يجب أن تُفهم هذه الاستراتيجية على أنها مراحل عدة في خطة واحدة، وتحديد اتجاهات الغزوات وتطورها يدل على ذلك.

وعندما انتقل النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى الرفيق الأعلى في 13 ربيع الأول سنة 11هـ (6 يونيو/حزيران 632م) كانت الدولة الإسلامية قد شملت شبه الجزيرة العربية كلها.

وخلال العصر الأموي أصبحت دولة أمة الإسلام إمبراطورية كبرى بلغت أقصى اتساع لها في عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك (105-125 هـ/ 724-743 م) فامتدت من (صانص) جنوب باريس حتى (كاشغر) وسط الصين، وذلك بعد 80 سنة فقط من وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم).

أما دولة العباسيين فلم تكن دولة فاتحة، بل دولة في حالة تفكك. وهي لم تكن دولة عامة إلا لمدة ست سنوات انفصلت بعدها الأندلس واستقلت ثم أعلنت نفسها خلافة في سنة 316هـ/928م.

وقبل ذلك بعدة سنوات ظهرت الخلافة الفاطمية في الغرب الإسلامي، فسيطرت على المغرب الأدنى (تونس) سنة 296هـ/875م وعلى المغرب الأوسط (الجزائر) سنة 296هـ/875م وعلى المغرب الأقصى مع صعوبات جمة سنة 375هـ/ 985م.

ورغم وجود ثلاث خلافات إسلامية متصارعة إلا أنها ظلت خلافات فتية عفية مسيطرة. ولكن هذا التفكك كان على كل حال إيذاناً بقرب بدء مرحلة الانحسار.

وفي مرحلة الانحسار تحولت الأمة من الوحدة والفاعلية إلى التفكك والتشظي ثم الانكماش ثم الانحلال. وهي مرحلة بدأت إرهاصاتها تقريباً بإلغاء الخلافة الأموية في الأندلس وتفككها سنة (422هـ/1031م)، مروراً بدخول السلاجقة إلى بغداد سنة (447هـ/ 1055م) حيث أصبحت الخلافة العباسية جزءاً من دولة السلاجقة، وانتهاء ببداية انحسار دولة أمة الإسلام.

أما انحسار الإسلام كديانة فبدأ مع سقوط صقلية (453هـ/ 1061م) ثم كان السقوط المدوي لطليطلة (477هـ/ 1085م) وتواصل انفراط عقد الدولة الأندلسية.

كذلك كانت الحروب الصليبية إحدى مراحل الانكماش أيضاً، نعم فشلت في الشرق الإسلامي (1085م – 1510م) ولكنها نجحت في الغرب الإسلامي.

وعقب الانهيار المروّع لدولة الموحدين بالأندلس في "موقعة العقاب" (609هـ/ 1212م) أخذ صليبيو الغرب من إسبان وبرتغاليين في الاستيلاء على قواعد الأندلس الكبيرة ومدنها العريقة الواحدة تلو الأخرى: بطليوس (626هـ / 1228م)، قرطبة (633هـ / 1236م)، بلنسية (636هـ/ 1238م)، قرطاجنة (640هـ / 1242م)، مرسية (641هـ / 1243م)، جيان (644هـ/ 1246م)، إشبيلية (646هـ / 1248م)، شاطبة (647هـ / 1249)، وفقدت دولة الإسلام بالأندلس معظم قواعدها التالدة في نحو ثلاثين عاماً فقط: (626-655هـ/ -1267م).

واستمر هذا النجاح الصليبي الغربي حتى احتلال غرناطة 1492م ثم سبتة 1497م ثم وهران 1509م وتم إيقاف تمدده الذاتي في إفريقيا وجنوب آسيا.

ولم تمضِ فترة طويلة حتى تجدد الانكماش مع الحركة الاستعمارية الأوروبية التي بدأت بالحملة الفرنسية على مصر والشام 1798م ومن ثَم تكالبت الأمم الاستعمارية على أقطار دولة أمة الإسلام وتوزعها فيما بينهم.

وعندما انتهت تلك الفترة الاستعمارية كانت الدولة القومية أيضاً شكلاً من أشكال التفكك والتشظّي والانحسار، فضاعت أقطار أو أجزاء منها بدءاً من فلسطين وحتى جنوب السودان وما يجري الآن في بلاد الشام.

فمرحلة التفكك والتشظي والانحسار ما زالت مستمرة وعلى النمط الأندلسي.

وخلال هذه الفترة الاستعمارية الجديدة غلبت مشاعر الغربة والحزن على الشخصية المسلمة التي أصبح لديها إحساس حاد ومأساوي بالنفس، وذلك لأسباب عديدة أهمها في رأيي سببان أو دافعان لهما حضور درامي صاخب هما: (الفشل في النهضة والتحديث)، و(الفشل في إثبات الذات في مقابل الغرب وتأصيلها).

وأغلب مشاكل المجتمعات الإسلامية وإخفاقاتها في آخر قرنين تعود إلى الفشل المزمن في إنجاز كلا الأمرين؛ لذا لا أرى مجالاً للقول بوجود نهضة أو صحوة كما تزعم بعض التيارات الفكرية، وإنما مجرد أمل أو آمال ربما تزهر صحوة فيما بعد.

وربما كان الأمل الوحيد في التغلب على هذه المشاكل -مع تجنب الفوضى بالطبع- يتمثل في إشباع حاجتين أساسيتين هما: الحاجة إلى التخطيط الاجتماعي الرشيد، وإلى تثقيف الجماهير، وهذه حاجة أو مرحلة أبعد من مجرد التربية والتعليم.

وربما لا يكون إشباع هذين الأمرين (وحدهما) هو الترياق الشافي إلا أن الحاجة إلى البدء بهما تبدو في حالة الإسلام المعاصر أكثر حدة وإلحاحاً.

وظني أن المصادر التي يجب أن يستقى منها هذا الإشباع معروفة، وأن المشكلة تتعلق فقط بالإرادة والقوة اللازمة للتنفيذ.

ولكن مهما فكرت في الأمر ستجد أن الأقرب إلينا والأجدى هو تجربة الإسلام الحضارية في القرون الهجرية الأولى ثم الثقافة العلمية المعاصرة في القرن الميلادي الأخير.

وبعد جيلين أو ثلاثة قد نبدأ مرحلة نهضة حقيقية قادرة على الاستمرار وحماية نفسها بالقوة.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عبد السلام حيدر
أستاذ جامعي متخصص في التاريخ
أستاذ جامعي متخصص في التاريخ
تحميل المزيد