أكتب لك يا أمي بكل جوارحي ومن أعماق قلبي، لا أكتب كلماتي بالحروف وإنما بالدموع والألم والحسرة.
أمي الغالية.. أود الاعتذار منك، ولا أدري إن كنت ستقبلين اعتذاري أم لا.
فأنا أدركت في مرحلة متأخرة وبعد فوات الأوان، أن ما من شيءٍ أو شخص كان يستحق التضحية سواك.. ها هي ذا أجراس الحزن تقرع نفسي، فيتملكني الصراع، حرب داخلية ضروس، تكاد تفتك بي.. أشعر نفسي أمامها ضعيفاً.
أنا نادم الآن يا أمي لأني لم أملأ قلبي ولا عقلي من وصاياك، كنت أستخف بها أحياناً، وأسخر منها أحياناً أخرى.. عجوز عفا عليها الزمن تعتقد أن الزمن لا يزال زمانها.. متناسية أن كل شيء قد تغير.. وأن العالم الآن بات قرية صغيرة، ولكنها تصرُّ على مُثُلها التي لم يعد لها في هذا الزمان قيمة.. رحلت أمي مبكراً وفي الرحيل المبكر وجع عميق، وأخطاء كثيرة بحاجة للتكفير عنها.. فهل تغفرين لي يا أمي؟
كنت تلحين عليَّ أن أضع هدفاً لحياتي، هدفاً عظيماً أحيا لأجله، وأقابل ربي به، ولكني كنت أؤثر الراحة، واللهو وإهدار الوقت دون فائدة.. كنت أفضِّل أصدقائي عليك، أستمع لنصائحهم التي لم تكن تحمل لي الخير في ثناياها، وأنكر نصائحك التي تنبع من قلب حريص على ما فيه الصلاح والفلاح لي.
كنت توقظينني لصلاة الفجر وأنت تُسمعينني ألطف الكلمات، فأصدك بعنف، وأهددك إن عدت لإيقاظي مرة أخرى سوف أمتنع عن الصلاة نهائياً.. فتنسحبين بقنوط، ولكن لسانك لا يزال يلهج بالدعاء لي. وفي الصباح تحضِّرين الإفطار، وتلحين عليَّ أن أتناول لقيمات يقمن صلبي -كما كنت تقولين- فأرفض رفضاً قاطعاً، وأبتدئ نهاري بكأس كبيرة من القهوة يرافقها بعض السجائر.. وعندما بدأت أعاني من آلام في المعدة، هاجمتك بحدة ولم أستمع لقولك عندما وجهت أصابع الاتهام للقهوة والسجائر.
كنت في الثانوية العامة أمضي وقتي الذي كان يجب أن يكون ثميناً، برفقة هاتفي الذكي، أتصفح الفيسبوك، وأدردش مع الأصدقاء والصديقات، وأقرأ أحدث النكات وأحفظها عن ظهر قلب، وأرددها مهما كانت خليعة وغير لائقة، بدلاً من أن أذهب لمذاكرة دروسي.. ورغم ذلك لم تملِّين من الدعاء بأن يهديني الله ويوفقني لما فيه الخير لي.. وعندما كانت نتيجتي "راسب" لم آبَه، رغم أنها كانت بمثابة الطعنة لك والتي أوجعت قلبك، وأخذت أشتم المعلمين والمدير ونظام التعليم وأحمِّلهم نتيجة فشلي.
لم تيأسي منّي في يوم يا أمي رغم أنني لم أكن أستحق، وكانت حجتك بأنني سوف أكبر وأعي حقيقة الدنيا، وسينكشف الخداع الذي كنت أغرق فيه، وسأُبصر حينها النور، وستتغير حياتي.. إلا أنني يا أمي خيَّبت أملك، فلم أُسعد قلبك برؤيتي رجلاً يُعتمد عليه، وتتكئين عليه حين حاجتك وضعفك كما كنت تريدين، بل كنت لك طوال الوقت غيظاً ونكداً.
للأسف يا أمي، لم أُفرح قلبك، بتحقيق إحدى أمنياتك.. بل بقيت على الفوضى التي أعيشها، ولم أنتبه لنفسي إلا عندما وصلت البيت بعد سهرة طويلة وماجنة مع الأصحاب، فسمعت عويلاً علمت منه أن القلب الذي كان يحبني، ولا يفتأ يدعو لي، ويتحمل إساءاتي التي أوجهها إليه دون وجل قد رحل وتركني أتخبط في ظلام وفوضى.
أبكيك الآن يا أمي حيث لا يجدي البكاء، ولكني أعتذر منك، وأطلب منك السماح والمغفرة عسى الله يغفر لي ويتقبلني.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.