الحلم الحائر

دمعةٌ صامدة فى مآقيه تود لو تفتح باباً لصويحباتها لولا الخشية أن يضيع كبرياؤها وسط الجموع، أفكارٌ تتوارد فى رأسه كالسيل العرم الذى لا يجد منفذاً للخروج، يصطدم بحاىٔط الواقع فيكاد من شدة ضغطه أن يدمر رأس صاحبه فيموت كمداً.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/15 الساعة 05:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/15 الساعة 05:37 بتوقيت غرينتش

في ذلك المقهى القديم المتعارض في قدمه مع حداثة ما حوله، جلس يوسف سانداً ذراعيه على طاولته المتهالكة، ماسكاً رأسه بيديه كأنه يخشى عليها السقوط، على يساره كوب شاي ممتلىٔ عن آخره دالاً على أن يد يوسف لم تجد طريقها إليه، ملَّ الكوب مناداته، فكف عن إرسال أبخرته المتصاعدة فى الفضاء، فأصبح لا فرق بينه وبين الماء الفاتر، بينما على يمينه جريدة مهترىٔة امتلأت صفحتها الظاهرة بخطوط عريضة لقلم حبر جاف، وُضعت بطريقة فوضوية تدل على أن صاحبها لم يجد بها مبتغاه فألقاها بنفاد صبر.

دمعةٌ صامدة فى مآقيه تود لو تفتح باباً لصويحباتها لولا الخشية أن يضيع كبرياؤها وسط الجموع، أفكارٌ تتوارد فى رأسه كالسيل العرم الذى لا يجد منفذاً للخروج، يصطدم بحاىٔط الواقع فيكاد من شدة ضغطه أن يدمر رأس صاحبه فيموت كمداً.

وماذا بعد يا يوسف؟!
خرجت منه تلك الكلمات خافتة حريصة على ألا تصل لأذن من يجاوره، صاحبتها تنهيدة كادت أن تحرق صدره من شدة حيرته وقلة حيلته فقد تخطى العشرين بعشر سنين عجاف تصارع فيها الحلم مع الصبر ولم يدرك مبتغاه، لم تطل يداه الحلم ولم يسعفه الصبر فيشق له طريقاً بين صخور الواقع الذابحة يتشبث بنتوىٔاتها بأنفاسٍ مرهقة فلا يفيده خوض معركته إلا بشروخ بالغة فى أنحاء روحه المرهقة.

تتابعت الصور في رأسه تأخذه بين ماضٍ وحاضر تحاول أن تجد له متنفساً كي يمتلىٔ صدره بنسمة أمل تحيي فيه الحلم العقيم، سافر بوجدانه كآلة زمن شفافة لا يراها ولا يلمسها غيره، تتابعت على شاشتها سنين عمره؛ لتقف على أعتاب طفولته، يفتح بابها فيطالعه ذلك الوجه الحبيب الممتلىٔ بشراً وسروراً يمد إليه قطعة من الحلوى في حوش المدرسة العتيق ويجلس بجانبه على حافة سور الزهر ممسكاً بيديه جهاز ووكمن صغير، ينظر ليوسف ضاحكاً:
ما رأيك نبدأ الآن؟

ينظر إليه يوسف بابتسامة مترددة فيمسك صديقه بيديه يهزها.
"سنسجل معاً أغنيتنا المفضلة، لاتتردد، هيا".

"حسنا لكن على شرط أن تعيرني العدد الجديد بعد أن تنتهي منه".

"حسناً، اتفقنا 1، 2، 3".

يضغط أمجد زر التسجيل، ينظر كل منهما للآخر بعيون باسمة وينطلقا كصوت واحد.

"مهما العالم كله يخاف عمر ما قلبي يكون خواف وأما بتمشي خلف خلاف برضه هغني".

تلألأت فى عينيه دمعةٌ باسمة ولسان حاله يقول أين أنا الآن يا صديقي من ذلك الحُلم الفَتِي الذي طالما صمد فى وجه الأيام بأغنيته الصابرة.. هل تُراه أعجزه الحُلم أم ما زال يتردد في قلبه صدى الأغنية؟!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد