مفتاح الدين وبوابة الشهوة

وآفة هذا الزمان هي غياب الأخلاق والدين، وتراجع الدور الرقابي للأسرة، وعدم وجود القدوة في البيت والمدرسة والجامعة، وطغيان المادة، وغلَبة الطمع والجشع، وعبادة الأغنى والأقوى والأكثر نفوذاً، ولو كان لصاً معدوم الضمير، وشهوة المظاهر ونفاق السلطة والمشي في مواكب الحكام، وعولمة الهلس والتفاهة وإثارة الشهوات في كل وسائل الإعلام. تلك البدايات التي نشكو منها الآن وبوابات أخرى كبرى يدخل منها الفساد.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/15 الساعة 09:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/15 الساعة 09:11 بتوقيت غرينتش

بوابة الشهوة

القضية من أولها قضية أخلاق ونفوس انطفأ فيها بصيص الإيمان، وانخفض صوت الضمير؛ فانطلقت تنهب وتسرق وتغتصب وتقتل بدون رادع.

وآفة هذا الزمان هي غياب الأخلاق والدين، وتراجع الدور الرقابي للأسرة، وعدم وجود القدوة في البيت والمدرسة والجامعة، وطغيان المادة، وغلَبة الطمع والجشع، وعبادة الأغنى والأقوى والأكثر نفوذاً، ولو كان لصاً معدوم الضمير، وشهوة المظاهر ونفاق السلطة والمشي في مواكب الحكام، وعولمة الهلس والتفاهة وإثارة الشهوات في كل وسائل الإعلام. تلك البدايات التي نشكو منها الآن وبوابات أخرى كبرى يدخل منها الفساد.

أولها ضعف الأداء الديمقراطي، وغياب المساءلة، وعدم الشفافية في المشروعات الكبرى وبيانات الميزانية.

وبوابة أخرى، هي اتساع الفجوة بين أقصى الغنى وأقصى الفقر دون وسطية مقبولة.

وبوابة ثالثة هي الإعلام الذي ينشر العداء، ويمجد التفاهة، ويثير الشهوة، ويقتل الوقت ويدعو إلى الخفّة والسطحية، ويكتفي بالتسلية دون بلوغ العمق في أي شيء.

وأخرى هي المحسوبية والوساطة فينا لا يجوز ومن لا يستحق.

والخامسة والأهم والأكبر التي يعبر منها فساد الروح، هي غياب القيم والاستهتار بالدين والاعتقاد بأن لا شيء وراء هذه الدنيا، ولا شيء غيرها بوابة فساد الاعتقاد.

ويأتي مفتاح تلك البوابة ليفتح عقد بوابات مجتمعية أخرى، ألا وهو مفتاح الدين.

الدين هو أقوى رادع للمجرم من طمع نفسه، وأعظم وقاية للمجتمع من شروره، وهو الدرع الذي يحمي المجتمع من فساد أفراده، والتحلل من الدين والتمركز في منتصف المبادئ الهدامة أمثال الشيوعية والعلمانية والبوهيمية والمادية بأنواعها، كانت بمثابة القنابل الناسفة التي يتحدث عليها كيم يونغ، التي حولت المجتمعات الروحية الإنسانية إلى مزارع حيوانية، يسعى سكانها إلى إشباع غرائزهم وملء بطونهم بأي سبيل، وعلاج المرض اليوم ليس كيميائياً علمياً، إنما روحي أدبي يكمن في ثوب ينسجه كل أفراد المجتمع بخيط متين نشده جميعاً على مغزل واحد؛ ليكون لباساً قوياً لنا جميعاً.

مفتاح الدين

وكي يتم تكسير ذلك المفتاح وتحطيمه من قِبل مطارق بأيدي أناس يريدون استمرار غلق بواباته أمام الناس. باستخدام طرق وحيل خبيثة، أولها تشويهه بإلصاق تهمة الإرهاب والإجرام، بدءاً ببرج التجارة العالمي، مروراً بما يحدث الآن في بلادنا العربية، ولا سيما بلاد الربيع.

والثانية هي الالتفاف حول الإسلام وإضعافه بإضعاف اللغة العربية، التي هي بمثابة وعاء الدين والقرآن، بحجة تطوير المناهج التعليمية وإصلاحها والنهوض بها.

ومع الأسف نجحت تلك الحيلة، وضعف اللغة الذي أصبح واضحاً بين الأبناء وطغيان العامية في الشعر وسوقية الأغاني.

ورأينا وسوف نرى أكثر إشاعة الانحلال ونشر المخدرات والجريمة والعنف والفيلم الهابط والفن الداعر والإعلام المزدوج والمحارم عن طريق الإنترنت. ووضع كل مَن يتكلم باسم الدين أو حتى يفكر بمبدأ من مبادئ في دائرة الإرهاب والتحريض والتشجيع على العنف.

وسوف نقرأ مزيداً من الكتب، التي تعلي من شأن القيم الدنيوية، وتكرس المادية، وتروج للعلمانية، وتشكك فى الدين. سوف يتصاعد الغزو الثقافي بقوة مهيمنة قد نعرف من صاحب تلك القوة أولا نعرف، ومثال صغير:

إن إسرائيل التي أحيت لغتها العبرية المدفونة في قبرها، وأخرجتها لتضع لها هوية وقومية وإثراء تاريخياً من العدم، لن تكتفي بأقل من السيادة والهيمنة؛ لأن وجودها مصطنع مختل لا يمكن أن يعيش في الحياة إلا إذا امتص. الحياة من كل ما حوله. المخبولون يتصورون أن التطبيع فاتحة خير، ينظرون بدون أعين ويفكرون بدون رؤى، والبعض من أصحاب رؤوس الأموال والأعمال والشركات، هؤلاء الذين أحبوا التطبيع، فلا يرون إلا المصالح العاجلة تحت أقدامهم، ولا يرون خطر الشراكة الأمريكية – الإسرائيلية على المدى البعيد، ولا يشهدون الخراب الذي يخطط لبلادهم.

والسد الوحيد الذي يقف أمام هذا الطوفان الذي يدق على الأبواب يكمن في الروح الدينية الإسلامية الشاملة لدى من تبقى من العرب والمسلمين، ولا توجد مصلحة بين الوجود الإسرائيلي الذي جاء بالغزو والاغتصاب بدون أي حق وبين الإسلام.

وبالرغم من أن الإسلام ضد القيم الدنيوية المنحلة وضد حياة الشهوات، فإنه أبعد الأديان عن التزمت والتشدد؛ فباب الاستغفار والتوبة مفتوح للخطائين منذ البداية إلى لحظة الموت، والحلال هو الأصل في كل شيء، والحرج والتشدد مرفوعان عن كل مسلم.

وهكذا فتح الإسلام الباب للعقول لتفكر وتجتهد دون قيود، ولم ينصب المشانق والمحارق كما فعل باباوات الكنيسة لعلماء عصورهم المظلمة "روسو – فولتير"، ولم يضيق الإسلام على المرأة، بل وسّع عليها، والمرأة أيام الرسول كانت أكثر حرية منها الآن، تخرج للحرب تعمل بالتمريض والقضاء وتجلس للفقه والعلم، وكانت شاعرة وأديبة.

فالإسلام دين المستقبل، الديمقراطية والتعددية والحرية، وأتوقع أن أي مشروع حضاري لا يستلهم الإسلام، لن ينجح ولن تمتد جذوره في شعوبنا العربية والإسلامية.

فالإسلام روح وضمير وفن وثقافة وإنسانية وسلام، وما دونه فيتخذ من كل مبدأ خيطاً رفيعاً ضعيفاً لا يصل به إلى الحياة الإنسانية التي خلقها الله من أجلها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد