ضجّ العالم مؤخراً بالأخبار الصاعقة الواردة من شرق آسيا، وكالعادة بدأت صفحاتنا الإلكترونية تضجّ بالصور والأدعية والويل والثبور.
أحدهم، ومن خلال متابعتي الدقيقة، كان هادئاً جداً، كان حياديّاًّ بشكل مُريب، فتوجّهتُ إليه أستعلم منه السبب، وللصدمة، هو لم يكن هادئاً البتّة، بل كان جمراً يتلظى تحت الرماد.
ولماذا أتعاطف مع الروهينغا؟
أمن أجل بعض الصور الخادعة الكاذبة؟ لقد شاهد العالم، كلّ العالم صور أصدقائي يلفظون أرواحهم على الهواء مباشرة دون أن يتعاطف معنا أحد.
لقد شاهد كلّ العالم مدينتي وهي تتدمّر شارعاً شارعاً وبيتاً بيتاً دون أن يتحرّك له ساكن.
لمَ أتعاطف مع الروهينغا؟ ألأنهم مسلمون؟ ألم يقتلنا المسلمون أيضاً في سوريا؟
ألم يحزّ ذاك الملتحي رأس ابن جيراننا وهو يقول الله أكبر؟
ألسنا مسلمين نحن أيضاً؟ ألم يُشاهد العالم أطفالنا ونساءنا وبؤس حالنا وترحالنا؟
حقيقة، لَم أعُد أؤمن بعالم إسلامي، ولا حتّى بعالم عربي، لَم أعد أؤمن بشيء ربّما، ولا أدري منذ متى؟
رُبّما منذ أن عُدتُ لقريتي لأجد جاري قد سرق عفش بيتي أثناء غيابي، أو ربّما بعد أن طردوني من عملي الحكومي لعدم انتظامي بالدوام اليوميّ، علماً أنّني أخبرتهم أنّ من حاصر قريتي قد منعنا من الخروج، ومنع حتى الطعام من الدخول إلى القرية.
ربّما منذُ أن قرّر وطني أنّه لم يعد يتسع لي، وأنّ عليّ الرحيل بعيداً لأتمكن من إيجاد الخبز لعيالي.
ربّما بعد أن ركلني حارس الحدود ذاك على مؤخرتي تحت أنظار زوجتي وأولادي، وهو يمنّ علينا باللجوء إلى بلده.
دعني أسرّ لك بأمر أرّقني: كنتُ أتمنى أن أفرح مع منتخب بلدي الكرويّ وهو يتأهل لكأس العالم، أو حتّى الشماتة به لعدم فوزه، ولكن يبدو أنّني لم أعُد أؤمن بالرياضة أو الرفاهية حتى.
أنظرني يا صديق، أعلم أنّك ستطعن بإنسانيتي، وربّما تطعن في إيماني أيضاً، وأقول لك بكلّ سماحة: لا عليك، فقد فعلت حكومتي ذلك قبلك وألغت إنسانيّتي، وفعل قومي أيضاً وألغوا إيماني.
لم يبتسم صديقي السوريّ بعد أن أنهى كلامه، ولم ينظر إليّ حتى، بل طارت أفكاره إلى البعيد، إلى أماكن أجهلها، وإلى وجوه أناس لا أعرفهم.
هل عرضنا لمشاكلنا بتلك الطريقة الهوجاء هو من يجعل الكلّ ينفر من تلك القضايا العادلة؟
أم أنّ مشاكلنا قد طغت على أحاسيسنا حد التبلّد؟
أم أن صديقي السوريّ ذاك قد فضّل الانفصال عن الواقع واللجوء للخيال، علّ الخيال يُنسيه خيباته وانكساراته وهزائمه؟
غاب صديقي بدخان سيجارته، وتركني أغيب في أفكار بدأت تدور حولي وتستنطقني.
هل نُسيء حقاً لقضايانا بعرضها بتلك الطريقة؟ أم أننا نُسيء لأنفسنا بذلك؟
هل قصّرنا بحق صديقنا وآله في سوريا؟ أم أنّه لم يكن بإمكاننا أكثر ممّا كان؟
هل فعلاً طلّق صاحبي أمّته ومجتمعه وقضاياه؟ أم أنّها ردّة فعل مُتمرّدة كنوع من عتاب من المُحب؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.