سيصبح أقرب أصدقائك.. ما لا تعرفه عن الضغط النفسي

نحن لا نذهب لأطباء بل تمتص الصدمات والمصائب فوق رؤوسنا بكل هدوء، مؤمنين كل الإيمان أن الأطباء النفسيين هم أكثر من يحتاجون أطباء نفسيين، عظيم، نحن أقوياء كفاية نتحمل وحدنا ما يحل بنا.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/12 الساعة 06:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/12 الساعة 06:32 بتوقيت غرينتش

أتساءل كيف يتقدم من حولنا فى أعمارهم ويعتادون تلك الحياة بكل ضغوطاتها دون الذهاب مرة لطبيب نفسي؟ لمَ اعتدنا ثقافة أن زيارة الأطباء النفسيين تُعد رفاهية غير مقبولة مجتمعياً؟ رُغم أننا فى أمَس الحاجة لذلك.

نحن لا نذهب لأطباء بل تمتص الصدمات والمصائب فوق رؤوسنا بكل هدوء، مؤمنين كل الإيمان أن الأطباء النفسيين هم أكثر من يحتاجون أطباء نفسيين، عظيم، نحن أقوياء كفاية نتحمل وحدنا ما يحل بنا.

فى الآونة الأخيرة، بدأت تدريباً في مجالي لطالما تطلعت لذلك، أن أحظى بفرصةٍ مماثلة، أن أخوض تجربة العمل وأُشبع فضولي حول هذا العالم المُبهم بالنسبة إلىّ، عالم الالتزامات والمسؤوليات، الاجتماعات والمواعيد، الإجازات والرواتب، والخصومات أيضاً فى رأيي لا بد أن تتصدّر القائمة.

ولكن بعد فترة ليست بقصيرة أدركت أنه من المستحيل أن أعمل هكذا! لا بل لا يمكنني العيش هكذا، تحاصرني الضغوطات من كل جانب، حسناً أظنني أحب ما أعمل، ولكن المسؤوليات الجديدة أضافت ضغطاً جديداً على عقلي، ضغطاً من نوعٍ مُختلف لم أجربه من قبل، أخاف من التوتر جداً، أخشى على صحتي من الضغط كثيراً، أعلم أنه يؤثر سلباً على جسدي، وأعتقد أني أمتلك أعباء كافية على أية حال!

لهذا السبب، جمعت لكم بعض الحلول المنطقية لمسألة التوتر النفسيّ، حتماً في هذا العالم الكبير ثمة من يعانون بما أمُر به الآن، أؤكد لكم أن المقال سيغيّر وجهة نظركم تماماً بشأن الضغط النفسي بل ربما يغيّر نمط حياتكم بأكملها.

"أضف إلى قائمة أصدقائك نفراً، فالضغط النفسي -بإيجابية تامة- سيصبح أقربهم إليك بعد اليوم".

فى إطار دراسةٍ دامت لثمانية أعوام أُجريت على ثلاثين ألف أميركيّ بالغ، تضمنت تلك الدراسة سؤالاً للمشاركين عن حجم الضغوطات التي تعرضوا لها العام الماضى، وأيضاً السؤال الأهم عمّا إذا كانوا يؤمنون بأن التوتر يؤثر سلباً على صحتهم أم لا.

وبعد ثماني سنوات من متابعة المُشتركين وإحصاءات لحالات الوفاة فيما بينهم، كانت المُفاجأة، أن الأشخاص الذين تعرضوا لضغط كبير مع إيمانهم بتأثيره الضار عليهم، ارتفعت نسبة تعرضهم للوفاة إلى ثلاث واربعين بالمائة، في حين أن هؤلاء الذين عانوا من نفس مقدار الضغط، ولكن لم يؤمنوا بضرره لم يكونوا عُرضةً للوفاة، في الحقيقة كانت لديهم النسبة الأقل خطورة فيما بين جميع الفئات المشاركة، حتى أولئك الذين تعرضوا لضغط أقل!
مما يثبت لنا أن الخطر لا يتمثّل فى التعرض للضغط نفسه بل فى اعتناق فكرة أن صحتك فى خطر بسببه!

ومن ثَم كانت الإحصائية؛ حيث افترض الباحثون أن اعتقادنا بتأثير الضغط السلبي على الصحة العامة يُعد من أكبر أسباب الوفاة، بل يمكننا القول إنه يحتل المرتبة الخامسة عشرة فيما بين مسببات الوفاة بالولايات المتحدة الأميركية! أظنه رقماً مخيفاً أليس كذلك؟

يقول الشيخ راتب النابلسي فى حديثه عن القلق؛ إنك في خوف الفقر في فقر، وإنك من خوف المرض في مرض، وتوقُّع المصيبة يُعد مصيبة أكبر منها! مما يثبت نظريتي.

تقول الإخصائية النفسية كيلى ماكغونيغال إنها دائماً ما كانت تنصح المرضى بأن يتجنبوا القلق والتوتر لضررهما البالغ وتأثيرهما الكارثيّ على الصحة العامة، إلى أن تعرضَت لتلك الإحصائية التى ذكرتُها قبلاً، حينها أدركَت أن ما تقنع به مرضاها هو الكارثة الحقيقية، وأن الحل لا يكمن أبداً في تجنبنا للتوتر النفسي باستمرار، فهذا عملياً يستحيل تطبيقه، بل الحل الحقيقيّ هو أن نُحسن التصرف معه، أن نحوّله من عدو لدود إلى صديق حميم.

"لم لا نضغط بشكلٍ جميل، بشكلٍ احترافيّ أكثر؟"

حينما نوضع فى مواقف مُحرجة أو غير عادلة بالنسبة إلينا فإننا نوضع تحت ضغط، ومن ثَم تفتك بنا نوبات القلق مع استمرار الضغوطات.

على سبيل المثال؛ ثمة ما أصاب محرك سيارتك في طريقك للعمل، لذا اضطررت للتأخر خمس دقائق عن الموعد المحدد لك، وفور وصولك يتحدث إليك مديرك فى العمل بشكل قاسٍ قليلاً، أو كثيراً لنكن صادقين.

إليك ما يحدث بالضبط عند تعرضك لموقفٍ كهذا؛ أنت تتصبب عرقاً، تتسارع أنفاسك، وتتسارع دقات قلبك، يتكرر هذا مِراراً باختلاف الظروف والأوضاع.

لِم يحدث هذا معك؟ حتماً جسدك أذكى من أن يعيقك بردة فعله تلك، مؤكد هذا لا يحدث ليُعجزك أو ما شابه، التفسير المنطقي أكثر والذي لا بد أن نؤمن به أن جسدك يتعاون معك لمواجهة هذا الأمر، في الحقيقة جسدُك ينشط نفسه بنفسه! تسارُع أنفاسك جيّد، فهذا يمدك بالأكسجين اللازم، تسارُع دقات قلبك لا بأس به، فهو يُعدك للعمل بجُهد مضاعف!

هذا بالضبط ما قيل لفئةٍ من المُشاركين فى إطار دراسة أجريت بجامعة هارفارد، حيث يتعرض المشتركون لاختبار ضغط جماعيّ، ثم يتم تقييم ردة فعلهم خلاله، إن تحدثنا عن فسيولوجية الجسد في التعامل مع الضغط فإن التغيير السلبي الذي يطرأ عليه هو أن الأوعية الدموية تضيق، وعليه فإن التعرض المستمر لنوبات القلق والتوتر يرفع احتمالية الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وإليكم المُفاجأة الأكبر؛ بعدما طُرحت عليهم فكرة أن يتعاملوا مع التغيّرات التي تصيب أجسامهم بشكل إيجابيّ، وأنها وُجدت لتساعدهم لا لتُربكهم، اختلفت استجابة أجسادهم للأمر، حيث لم تنقبض الأوعية الدموية لديهم تحت الضغط بل ظلّت على اتساعها، وهذا عادةً ما يحدث للإنسان فى حالات الفرح والشجاعة، يا للروعة!

إن آلية الدفاع عن نفسك لا تنحصر دوماً في استعداء عدوك أكثر، بل بإمكانك جداً أن تستميله وتستعمله لصالحك، يقول ويليام بولتو: "إن أهم شيء في الحياة ليس تضخيم مكاسبنا، فأي غبي يستطيع ذلك، الشيء المهم فعلاً هو أن تحقق أرباحاً من خسائرك، وذلك يتطلب ذكاء، كما أنه يصنع الفرق بين الإنسان العاقل والأبله!".

"الأوكسيتوسين، وما لا تعرفه عن الضغط النفسي"

منذ مدةٍ نشرت على حسابي قصةً تساءلت خلالها عن كيفية تغير شعور الإنسان كلياً تجاه ما يصيبه لمجرد أن شخصاً ما شاركه همه وحسب، ففي إحدى ليالي الشتاء البارد وحينما كنت في موقف الميكروباصات بعد دوامٍ مجهد وطويل وجدت نفسي وسط حشد كبير من المرتحلين لوجهَتي، لا عرَبات، كثيرٌ من الرجال، سيدات قليلات، انتظرتُ طويلاً حتى جاءت العرَبة المنشودة لأجد الناس يهرولون إليها وخاصةً الرجال، ثم عند الباب الأمر أشبَه بقتال، انسحبت للوراء كالعادة وأخذتُ جانباً آمناً أراقب منه العربات القادمة والهجمات المُتكررة، البرد قارس والسماء مُلبدة بالغيوم، الشمس غربت والساعة قد قاربت السابعة مساء، البرد يشتَد رويداً رويداً حتى إنني فقدتُ الشعور بكتفي، أشُد الشال على رقبتي، أُحكمُ إغلاقه حول جسدي وأنكمش، الآن لا أريد سوى البيت، استطردت في التفكير نحو بيتي، وإذا بفتاة عشرينية تدنو إلى جانبي.

رُغم حظي المُتعثر أحياناً كثيرة لكن لِحُسنه في ذاك اليوم كانت وجهتنا واحدة، نتبادل الابتسامة ثم نقترح معاً في آنٍ واحد أن نغير مسار رحلتنا وننطلق من محطة أُخرى غير تلك، أنا لا أعرفها، هي تجهلني تماماً لكننا قررنا السير معاً، تبدأ هي في فرك يديها والنفخ فيهما، هي أيضاً لم تحضر معطفها المسكينة، أمسك بيدها وتربتُ هي على يدي، لعلنا نبعثُ دفئاً لبعضنا، نمشي ولا نجد ما نرتحله فنقرر العودة من جديد لنفس الموقف المُزدحم، لكن وقتها كنت لا أشعر بالبرد، استعدت الشعور بكتفي، أظنها هي الأُخرى حظيت ببعض الدفء حينما وجدتني، نقف لدقائق نراقب الملحمة من بعيد.

ثُم نقرر أن نستقل كرسيين في الحافلة القادمة، أسحبها ونركض وفعلاً نصل، أصعد وأرفعها إلى جانبي، أخيراً سنعود إلى البيت، في هذه اللحظه بالضبط، شعرت أنني في غاية الاطمئنان والسعادة، أنا هنا على المقعد الأمامي إلى جانبي فتاة لا يربطني بها سوى دقائق من المُغامرة، وشعور مُشترَك بالبرد ثُم الدفء، وعلى يساري يجلس السائق الظريف، في الحقيقة في ذلك الحين صار كل شيء حولي ظريفاً، حتى السماء المخيفة تحولت فجأةً الى لوحة فنية جميلة أمامي، حتى الازدحام وتضارب الأصوات في الشارع من حولي، صنعوا مزيجاً موسيقياً لامعاً تسكُن إليهِ نفسي، ولا عجب بالتغيّر الذى طرأ علىّ، فاليوم أنا أدرك كيف حدث هذا بالضبط، أضف إلى معلوماتك لنستكمل قائمة المساعدات التى يقدمها لك جسدك فى مجابهة الضغوطات؛ أنه عند تعرضك للتوتر فإن هرموناً ما يُفرز بداخلك بكثرة، يُدعى هرمون الأوكسيتوسين، كما يسميه البعض بهرمون العِناق أو هرمون الحُب، هذه المادة تساعدك على التحكم بعلاقاتك الاجتماعية.

فهي تدفعك لفعل أشياء تُعزز من علاقاتك بمن حولك، فتجعلك تحتاج إليهم وترغب أكثر فى دعمهم ومساعدتهم، والتخفيف عنهم بشكل متبادل، أما عن الجزء الأهم فإن الأوكسيتوسين هو مضاد التهابات طبيعي، تفرزه الغُدة النخامية لتخفف من تأثير الضغط على الجسد، فيجعل الأوعية الدموية مسترخيةً داخل أجسامنا بقدر الإمكان، وأيضاً يساعد الاوكسيتوسين على تجدد خلايا القلب، وللدهشة فإن التواصل الاجتماعي والجسدي هما ما يعزز عمل هذا الهرمون بشكل كبير ويحفز وظيفته بداخلنا.

ولننتقل إلى المفاجأة الأخيرة وهي دراسة أُجريت على ألف شخص راشد بأميركا، وكالعادة تضمنت تلك الدراسة سؤالاً للمشاركين عن حجم الضغوطات التي تعرضوا لها بالعام الماضي، وأيضاً كم من الوقت قضوه فى تقديم المساعدة لمن حولهم ودعمهم لهم، ولمعلوماتكم؛ يزداد خطر وفاة الفرد بنسبة ثلاثين بالمائة إن تحدثنا عن تعرضه للضغوطات المعتادة كالأزمات المالية مثلًا، لكن إليكم ما حدث؛ بعد خمس سنوات من متابعة سجلات الوفيات لمعرفة من توفي منهم، وجدوا أن هؤلاء الذين تعرضوا لضغوطات معتادة ولكنهم قضوا وقتاً كبيراً في مساعدة الآخرين انخفضت نسبة تعرضهم للوفاة إلى صفر بالمائة! تخيلوا أن الشيء الوحيد الذي أنقذ نسبتهم هو تواصلهم الاجتماعي بشكلٍ سليم!

اليوم أنا أؤمن قطعاً أن المشاركة تُحفز الجسد على مقاومة الضغط الواقع عليه بشكل سحريّ، لذا يمكننا القول إن ما يقنن نتائج الضغط النفسي عليك يمكن إجماله فى سؤالين: "بمَ تؤمن؟ وكيف تتصرف؟".

"الوحل أم النجوم؟ أنت مَن يُقرر"

ختاماً سأقص عليكم قصة مثيرة ومُلهمة لامرأة تُدعى تيليا طومسون، قالت تيليا وهي تروي تجربتها مع القلق؛ أثناء الحرب احتجز زوجي في أحد معسكرات تدريب الجيش بالقرب من صحراء موجيف بكاليفورنيا، ذهبت للعيش هناك كي أكون بقربه، كرهت المكان ضقت به ذرعاً، لم أحس من قبل بشقاء كهٰذا، تلقى زوجى أمراً بالمشاركة في مناورة في صحراء موجيف، فذهب تاركاً إياي في كشك خشبي صغير، كانت الحرارة لا تطاق حوالى 125 درجة فهرنهايت، فى ظل شجرة صبار ليس هناك أحد أتحدث معه، الرياح لا تتوقف عن الهبوب، ومن ثَم أصبح كل الطعام الذي آكل وكل الهواء الذي أتنفس مليئاً بالرمال، أصبحت بائسة تماماً حزينة جداً على نفسي، حتى إنني كتبت لوالدي أخبره بأنني عاجزة عن التحمّل لدقيقة واحدة بعد، وأنني سأترك كل شيء ورائي وأعود إلى البيت، لكن أبي أجاب رسالتي بجملة واحدة فقط، سطرين سوف يتردد صداهما بذاكرتي على الدوام، سطرين غيّرا حياتي بالكامل؛ "رجُلان نظرا من وراء القُضبان، أحدهما رأى الوحل، والآخر رأى النجوم!".

قرأت السطرين مرة تلو الأُخرى، أصبحت خجولة من نفسي، حزمت أمري على أن اكتشف ما هو جيد فى موقفي الحالي، أن أنظر إلى النجوم!

أنشأتُ صداقات مع أبناء المنطقة، وكم أدهشتني استجابتهم لي عندما أبديت اهتماماً بمشغولاتهم من النسيج والفُخار، قدموا لي هدايا من القطع المُفضلة لديهم والتي رفضوا بيعها للسياح، درست أنواعاً رائعة من الأشجار، عرفت عن الحيوانات البرية، استمتعت بمشهد غروب الشمس الساحر فى الصحراء، اصطدت محار البحر الذي يوجد هناك منذ ملايين السنين عندما كانت رمال هذه الصحراء هي أرضية المحيط.

فما الذي أحدث هذا التغيير المُدهش فى نفسي؟ صحراء موجيف لم تتغير، لكن الذي تغيّر هو أنا، لقد غيّرت منهاج عقلي، وبذلك استطعت تحويل التجربة الأكثر شقاءً في حياتي إلى أكبر مغامرات حياتى إثارةً ومتعة، حركني وأثارني ذلك العالم الجديد الذي اكتشفت، اكتشفت نفسي معه، كنت متأثرةً جداً لدرجة أنني ألفت كتابًا عن كل ذلك نُشر بعنوان "الاستحكامات البرّاقة".

هكذا نظرت تيليا عبر السجن الذي كان من صنع يديها ورأت النجوم!

لذا لا بد أن نوقن أن آلية تعامل عقولنا مع الأمور -مهما صعُبت- هو ما يوجّه دفة حياتنا بأكملها، يقول الحكماء إن التجربة ليست ما يحدث للإنسان، بل هى ما يفعله الإنسان حيال ما يحدث له.

المصادر:
كتاب دع القلق وابدأ الحياة – ديل كارنيجى

كيف تجعل من الضغط النفسي صديقاً؟ – كيلي ماكغونيغال

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد