الوطنية والوطن

أعلم أنه كان لي فيما سبق وطن كقطعة الروح، أحبه يحبني أغازله يجاملني، لكنني ضُربت في مخزن الذاكرة، فلم أعد أفرّقه عن أي قطعة أرض أخرى، أصابني ربما مرض الشيخوخة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/12 الساعة 04:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/12 الساعة 04:53 بتوقيت غرينتش

هذه عهدتي الرابعة منذ أن تم استئصال زائدتي الدودية، فأصبح وطني لا يؤلمني كما كان، وأصبحت الجغرافيا عندي كدرس الفيزياء عندما يتطرق لمراحل تجمد الشعور.

أعلم أنه كان لي فيما سبق وطن كقطعة الروح، أحبه يحبني أغازله يجاملني، لكنني ضُربت في مخزن الذاكرة، فلم أعد أفرّقه عن أي قطعة أرض أخرى، أصابني ربما مرض الشيخوخة.

لكنني أتذكر جيداً قبل عملية الاستئصال التي طالتني ظلماً وعدواناً، أذكر جيداً تلك الوجوه التي حكمتك يا وطني، عقداً، عقدين، خمسة؛ خمسين!

ما زالت الوجوه نفسها، ما زالوا يمارسون حقهم المكتسب في الاغتصاب، وما زلنا نمارس جُبننا في السكوت والخنوع، لا نريد إزعاج معاليهم بأنين رقِّنا وعبوديتنا!

التاريخ مثلنا جبان أو خائن؛ لأن من يكتب التاريخ اختاره الحاكم، فلا تستغرب عندما تقرأ أن الوزير الفلاني سليل نسب الأشراف، وهو رغم ولادته أثناء الاستقلال أو في سنوات الجمر حين كان الرجال يجاهدون لإعلاء حرية الوطن تحت كلمة التوحيد برصاص البنادق قبيل سلب الحرية من مستعمر غاشم، إلا أنه يدّعي أنه جاهد بالسيف والقرطاس والقلم، وهو لمّا يرتوي من حليب أمه بعد، وقد يدعي أنه وُلد شهيداً للخروج من أي خلاف قد يطرأ حوله، ويُذكر اسمه في كتب التاريخ الكاذب، وتُسجل شوارع ومؤسسات حكومية باسمه تكريماً لتضحياته الدونكيشوتية، وتصدق الأجيال القادمة ذلك التاريخ وتلك المسميات التي تزين الشوارع والمؤسسات، لكن في الحقيقة هو باع ضميره قبل وطنه، لا تستغرب أن تكون أيضاً الوزيرة أو النائب والنائبة همهم الورع ظاهرياً! فكلهم وطنيون الا الشعب الغاشم فهو دسيس أيادٍ خارجية، إن آلمه وطنه ورفع صوته بالأنين.

قال لي شيخ مسنّ ذات يوم: "يا بُني.. الوطن للسياسيين والوطنية للشعب المسكين".

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد