الْمَرَضُ حِطَّةٌ والصَّبْرُ طَاعَة ومَثُوبَة

وذكر عن أبي معمر الأزدي قال: كنَّا إذا سَمِعْنا مِنْ ابنِ مَسْعُودٍ شَيئاً نَكْرَهُهُ سَكَتْنا، حتى يُفَسِّرُهُ لنا، فَقالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ: "ألا إِنَّ السَّقَمَ لا يُكْتَبُ له أَجْرٌ، فَسَاءَنَا ذلك وكَبُرَ عَلَيْنَا"، فقال: "ولَكِنْ يُكَفَّرُ به الْخَطِيئَةُ"، فَسَرَّنا ذلك وأَعْجَبَنا.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/12 الساعة 04:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/12 الساعة 04:56 بتوقيت غرينتش

من فضل الله على المؤمن أن جعل المصائب والأمراض كفارات للذنوب،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ مسلم يُصِيبُه أَذَى مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاه إلا حَطَّ الله به سَيئاته كما تَحُطُّ الشجرة ورقها".
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يُرِدْ اللهُ به خيراً يُصِبْ منه".
وقد قال بعض السلف: لولا الْمَصَائِبُ لَوَرَدْنَا الْقِيَامَةَ مَفَالِيسَ.

إن الله يُكَفِّرُ عن المؤمن مِنْ ذُنُوبه بما يُصَابُ به مِنْ مَرَضٍ أو أذى، لكنه لا يُثَابُ عَلَيْها، إنَّما الأَجْرُ والثَّوَاب يَكُونُ على الصَّبْرِ.

فإنْ أُصِيبَ الْمُؤْمِنُ كَفَّرَ اللهُ عنه مِنْ ذُنُوبِه بِقَدْرِ إِصَابَتِه، فَإِنْ جَمَّلَ مُصِيبَتَهُ بِالصَّبْرِ حَصَّلَ الأَجْرَ والثَّواب، فَيُحَقِّقُ الْمُؤْمنُ الْفَضْلَيْن مَعاً: تَكْفِيرَ الذُّنُوبِ، وأَجْرَ وثَوَابَ الصَّبْر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
والدلائل على أنَّ الْمَصَائِبَ كَفَّاراتٌ كثيرة، إذا صَبَرَ عليها أُثِيبَ علَى صَبْرِه، فالثَّوَاب والْجَزَاءُ إنما يَكُونُ على الْعَمْلِ وهو الصَّبْرُ، وأَمَّا نَفْسُ الْمُصِيبَةِ فَهِي مِنْ فِعْلِ الله لا مِنْ فِعْلِ الْعَبْدِ، وهي مِنْ جَزَاءِ الله لِلْعَبْدِ على ذَنْبِهِ وتَكْفِيرِهِ ذَنْبِهِ بها، وفي الْمُسْنَد "أَنَّهُم دَخَلُوا عَلَى أَبي عُبَيْدَةَ بنِ الْجرَّاح وهو مَرِيضٌ، فَذكروا أَنَّهُ يُؤْجَرُ عَلَى مَرَضِهِ، فَقَالَ: "مَا لِي مِنَ الأَجْرِ ولا مِثْلِ هذه، ولَكِنَّ الْمَصَائِبَ حِطَّة"؛ فبيَّن لهم أبو عبيدة -رضي الله عنه- أنْ نَفْسَ الْمَرَضِ لا يُؤْجَرُ عَلَيْه، بَلْ يُكَفَّرُ به عن خَطَايَاه.

وقال ابن القيم رحمه الله:
وذكر عن أبي معمر الأزدي قال: كنَّا إذا سَمِعْنا مِنْ ابنِ مَسْعُودٍ شَيئاً نَكْرَهُهُ سَكَتْنا، حتى يُفَسِّرُهُ لنا، فَقالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ: "ألا إِنَّ السَّقَمَ لا يُكْتَبُ له أَجْرٌ، فَسَاءَنَا ذلك وكَبُرَ عَلَيْنَا"، فقال: "ولَكِنْ يُكَفَّرُ به الْخَطِيئَةُ"، فَسَرَّنا ذلك وأَعْجَبَنا.
وهذا مِنْ كَمَالِ عِلْمِهِ وفِقْهِه رضي الله عنه؛ فإنَّ الأجرَ إنما يَكُونُ علَى الأَعْمَالِ الاخْتِيَارِية وما تولَّد منها.

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَرَضُ حِطَّةٌ يَحُطُّ الْخَطَايَا عَنْ صَاحِبِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ الْيَابِسَةُ وَرَقَهَا".
فالْمَرَضُ حِطَّةٌ، أَيْ يَحُطُّ السَّيئَاتِ، أمَّا الطَّاعَاتُ فَتَرْفَعُ الدَّرَجَاتِ بالأَجْرِ والثَّوَابِ.

والْمَرَضُ حِطَّةٌ شَرْطُ ألا يَصْحَبُهُ سَخَطٌ وعَدَمُ رِضا بِقَضَاءِ الله.
وإنَّ الْمَرَضَ حِطَّةٌ وتَكْفِيرٌ لِلذِّنُوبِ حَتَّى مَعَ التَّوَجُّعِ والأَلَمِ والصُّرَاخِ – إن وُجِد- إِنْ لم يَصْحَبْهُ سَخَطٌ وعَدَمُ رِضا بِقَضَاءِ الله.

وإني أَشْهَدُ أَنِّي شَهِدْتُ وعَايَنْتُ حَالاتٍ عَجَباً لِبَعْضِ إِخْوَتِنا وأَخَوَاتِنا، وَجَدتُّهُم يَتَوَجَّعُونَ أَشَدَّ الْوَجَعِ، ويَصْرُخُونَ صُرَاخاً، وبَيْنَ شَهَقَاتِ تَوَجُعِهِم وصُرَاخِهِم تَجِدُهم يَقُولُونَ: الْحَمْدُ لله، ياااااااااارب، صُراَخ ٌوتَوَجُّعٌ شَدِيدٌ يَتَخَلَّلُه صُرَاخُ بـ: الحمد لله، واستغاثة ياااااااااارب.
وما أظن هذا من السخط.
عافانا الله وإياكم والمسلمين جميعاً من كل داء، وأَذْهَبَ عَنَّا وعنكم والمسلمين كل سَقَمٍ.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد