عندما ينفتح غطاء “البلاعة”

أتذكر في آخر الورشة عندما استدعاني ذلك الشاب الميسر القائم بالتدريب وهو "Eric Bear"، وشكرني وقال لي: "شكراً لأنني عندما كنت أشعر بانخفاض طاقتي وإحباطي كنتُ أرى تصديقاً لكل ما أقوله متمثلاً في الدموع المتجمعة في عينيكِ".

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/11 الساعة 08:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/11 الساعة 08:23 بتوقيت غرينتش

منذ عامين حضرت ورشة عمل لمدة يومين في الجامعة الأميركية عن نظام تعليمي يسمى التعليم الموجه ذاتياً (self-directed education).

خلال الورشة لا أتذكر عدد المرات التي دمعت فيها عيناي، وخفق قلبي من فرط السعادة، وأنا أستمع إلى الفلسفة التعليمية لذلك النظام.

أتذكر في آخر الورشة عندما استدعاني ذلك الشاب الميسر القائم بالتدريب وهو "Eric Bear"، وشكرني وقال لي: "شكراً لأنني عندما كنت أشعر بانخفاض طاقتي وإحباطي كنتُ أرى تصديقاً لكل ما أقوله متمثلاً في الدموع المتجمعة في عينيكِ".

لم يكن بير يعرف عني شيئاً وقتها غير أنني أُم تعلّم طفلتها منزلياً، لم يكن يعرف أنني قمت بذلك التعليم الموجّه ذاتياً مع نفسي أولاً قبل أن أفعله مع طفلتي.

لم يكن يعرف أننا نبحث ونسعى لذات الشغف، وهو الوصول لمستوى وطريقة تعليم تحترم حقوق وحرية وعقول وقلوب الأطفال.

تعرفت خلال هذه الورشة أيضاً على فتاة عشرينية العمر تركت مجال تخصصها كطبيبة أسنان، وعملت في مجال شغفها منذ الصغر، وهو الخدمة المجتمعية.

تلك الفتاة (ناريمان) هي التي تواصلت مع هذا الميسر عبر مراكز التعليم المرن بالولايات المتحدة الأميركية، وقامت بجميع الخطوات ليصل لنا هذا العلم حيث نحن، فقط من أجل أن يكون هناك مستقبل أفضل لأطفالنا!

تحدثنا بعد ذلك كثيراً، والتزمت أمامهم بوعد أن أفعل كل ما بوسعي لنشر طريقة التعليم هذه وسط مجتمعي ممن يهتمون بإحداث تغيير جذري في التعليم، أو المهتمين بتعليم أبنائهم تعليماً منزلياً.

واتفقنا على إقامة أول برنامج تدريبي للكبار يساعدهم على فهم وسائل وطرق التعليم الموجّه ذاتياً، والوصول بطريقة سلسة إلى كونك كشخص بالغ ميسر فقط ورفيق رحلة للطفل بدلاً من معلم ومتسلّط عليه.

وبداخل البرنامج أيضاً معسكر تدريبي للأطفال يتيح فرصة تدريب الأطفال على تلك الوسائل الخاصة بحرية اختيارهم لما يتعلمون، ويتيح للكبار فرصة استكشاف وتطبيق كون دورك فقط ميسراً ومرشداً للطفل.

عملنا على إقامة التدريب الأول في مصر للتعليم الموجه ذاتياً عام 2016، وفعلاً نفذناه حيث تطوعت مدرسة الرسالة بمساحات خاصة داخل المدرسة لإقامة التدريب، وحضر Bear مرة أخرى إلى مصر؛ لنقوم بالتدريب.

كانت الرحلة ممتعة بحق للكبار والصغار، دخلنا إلى عالم جديد وممتع مليء بحرية التعلم والاختيار.

لم يصدق الأطفال أن لديهم الحق في أن يتعلموا ويفعلوا ما يريدون لا ما يمليه الكبار عليهم.

والتزمنا بعهدنا أن نكمل المسيرة، وأن لا نتوقف، وقمنا للعام الثاني على التوالي بإقامة التدريب داخل مجموعة سيكم، التي تعد نموذجاً تعليمياً طبيعياً لا يخفى على العديد من محبّي التغيير في مجال التعليم في مصر.

كان التدريب مختلفاً بحق هذا العام؛ حيث جمال الطبيعة الغني بفرص التعلم والانطلاق.

عملت أنا وناريمان بجهد وطاقة كفريق عمل مكون من امرأتين، ولكن بطاقة 100 رجل.

كانت المسؤولية جسيمة بحق، وكانت الضغوط لا تحتمل، ولكننا كنا لها صامدتين في سبيل تحقيق الأمل الذي نسعى إليه.

كنا نتلقى طاقة الحب والتعاون من المتدربين والتقدير والاحترام الذي أسرونا به.

استقبلنا هذا العام من خارج مصر ثلاثة من الميسرين من الولايات المتحدة الأميركية ليشاركونا من مراكز التعليم المرن بأميركا:
Eric bear, Sierra Allen, Ryan Shollenberger.

10 أيام هي مدة التدريب، كنا نعمل ونعمل ونعمل فقط ليرى غيرنا ما رأيناه وليعيش غيرنا ما عِشناه، وليكن ذلك كله لبنة في بناء مجتمع أكبر يحلم كما نحلم بتلك المساحة من الحب والحرية والاحتواء لأطفالنا.

جلسنا ذات يوم لنتحدث عن بعض الأمور التي تحدث مع الأطفال، وكيف يمكننا أن نصل إلى حلول أفضل لتلك الأمور.

ثم تطرقنا إلى ردود فعل بعض أولياء الأمور وكيف سنتحدث معهم حول هذه الأمور التي لاحظناها على الأطفال.

ثم تطرقت أثناء الحديث عن ردود الفعل الرائعة من بعض أولياء الأمور المؤيدين لتلك الطريقة، وعن فرحتهم بتلك الفرصة الرائعة التي يعيشها أطفالهم.

وتحدثت عن شخص بعينه وأخبرتهم أنه تحدث معي عن نظرتنا المستقبلية وما نخطط له أنا وناريمان لإقامة مدرسة تتبنى طريقة التعليم الموجه ذاتياً، وأنه سعيد جداً أن لدينا في مصر تلك العقول التي تسعى لإحضار تلك الفرض إلى طفلته، وأنه على استعداد أن يقوم بتدعيمنا بشتى الطرق الممكنة.

كنت متحمسة جداً وسعيدة بهذا الدعم وأيدتني ناريمان أيضاً، وأخبرتني أنه تحدث معها هو الآخر، إلى أن طلب منا أحد الميسرين -الأميركان- أن نذكر اسم ذلك الشخص فذكرناه فأخبرنا أنه تحدث معه فعلاً، ولكن عن شيء آخر، وهنا انفتحت البلاعة:

انفجرت في وجهنا تلك البلاعة القابعة في أعماق ذلك المجتمع الازدواجي العفن.

أخبرنا أنه تحدث معه في شكّه أن تقوم امرأتان -على حد قوله- بعمل تلك النهضة، وأنه يشك في قدراتنا وتحملنا لتلك المسؤولية الضخمة!

وأن هذا هو عمل الرجال، وأنه يتمنى أن يتعاون مع هذا الميسر وغيره ومستعد للسفر إلى الخارج معهم لرؤية تطبيق تلك الطريقة بالخارج وجلبها إلى مصر!

رد عليه ميسر آخر -أميركي أيضاً- وكان غاضباً من الكلام الذي يسمع، وقال إنه لو كان يجلس وقتها لأسمعه من الكلمات ما يكره، فعارٌ عليه أن يتحدث هكذا عن امرأتين من بلده وجنسه!

كيف يتحدث هكذا عنهما وهو يأتمنهما على طفلته؟!

لا يغرنكم ما يقول بالفعل أنتم فعلتم ذلك وأثبتم للجميع أنكم أهل لتلك المسؤولية ولستم بحاجة إلى رأيه في شيء، أنا فعلاً مشمئز مما سمعت.

وهنا نظرت كل منا إلى الأخرى -أنا وناريمان – وشعرنا بتلك الرائحة التي تخرج من البلاعه تنفجر في أنوفنا، وتجبرنا على وضع أيدينا على أنوفنا وأفواهنا، فما سمعناه أحقر من أن يكون له رد، رغم أننا نعيش في حقيقة مجتمع يحتقر المرأة وعملها ويشعرها أنها مهما فعلت فهي في مستوى أدنى من مستوى الرجال.

ورغم أننا نعلم أن البعض يتحدث معنا وينظر إلينا ويتمنى بداخله لو كنا رجالاً وأن هذه الأعمال التي تحتوي على مسؤولية عالية هي مهنة الرجال فقط!

إلا أننا كنا نأمل أن نتعامل مع فئة أخرى ترى ذلك الضوء الذي نراه من بعيد ونعمل بجهد لنقربه أكثر وأكثر، ألسنا تلك الأمهات المؤتمنات على أرواح أطفالهن؟!
ألسنا ذلك الجسر الذي يهيئ الجيل القادم لينهض بتلك الأمة؟!

يعمل الرجل طوال اليوم وهو يتخيل أنه يأسر تلك المرأة القابعة في منزلها بعمله، وهو لا يدري أن هذا فرضه عليه لا تفضّلاً منه!
وعليها أن تحمد ربها أن لديها رجلاً يستطيع أن يعيلها هي وأطفالها!
ينظر إليها تلك النظرة الدونية فمهمتها تافهة ألا وهي تربية الأطفال.

فيا لكم من جهلاء يا مَن تفكرون بهذه الطريقة، وإذا وضعنا أحدكم مع طفل يوماً واحداً فقط بل قل ساعة واحدة فستحمدون الله علينا وعلى وجودنا في هذه الحياة ولكنكم لا تفقهون!

تتخيلون أنكم مقيدون بنا وبأطفالنا ونحن المقيدات طوال الوقت حتى عند دخولنا الخلاء بذلك الطفل المعلق في رقبتنا!

فمن لا يعرف قيمتنا فلينكر أن لديه أماً ربته وكبرته إلى أن أصبح ذكراً يحتقر النساء، فلتحتقر أُمك أولاً إذاً قبل أن تمد عينيك إلينا.
ألم يوصِكم رسول الله بنا؟! ألم نكن لكم الأم والأخت والزوجة والابنة؟!

نستحق منكم أن تحمدوا الله علينا وأن تراعوا الله فينا.
نستحق منكم أن تحملونا فوق الرؤوس فنحن نهضة الأمم ولبنة بنائها، وإن لم تفعلوا فكفّوا عنا حقارتكم، فنحن لها.. وعار عليكم إن لم تعترفوا بذلك.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد