زوجي الحبيب:
لا أستطيع أن أكون امرأة عادية في كلامي.. حتى وأنا أقول لك كلمات الحب والوفاء.. لا أستطيع إلا أن أكون مختلفة.. فحبي لك لا يفترق عن حبي لهذه الأرض، التي أجدها تسكنني أكثر مما أسكنها، على الرغم من أنني لم أجد في سكني فيها، إلا الصعوبات والتحديات والأبواب الموصدة والألم، فإنني أحبها.. ولهذا أيضاً أجدني أحبك.
ما يربطني بك أكثر من مجرد علاقة زواج؛ بل أكثر من ذلك بكثير، يربطني بك الصداقة، والتفاهم، والود، ووحدة المبادئ والتفكير.
في صغري، كرهت الزواج ومَقتُّه؛ لأنني رأيت فيه قيوداً تقيد المرأة وتحول دون تقدُّمها وتطوُّرها، حبل مشنقة يلتف حول عنقها فلا يعطيها أي مجال للحركة، فأية حركة بسيطة تعني سقوطها وانتهاءها، سجن يأسر قدراتها ويميتها موتاً بطيئاً.
لذلك، مَقَتُّه سنوات طويلة، ورفضته بكل ما أوتيت من قوة، فأنا لا أريد أن أكون امرأة عادية؛ تتزوج وتنجب وتطبخ وتنظف البيت وتقوم بمسؤولياتها الاجتماعية تجاه من يحيطون بها فقط.. أبداً لم أقبل لنفسي ذلك.. أردت مع كل نفس يعبر رئتي ويخرج منها أن أكون مختلفة.. أردت أن أسطر اسمي في سجلات الأيام، فلا ينمحي برحيلي.
في بلد لا يحسن صناعة الأبطال إلا من هؤلاء الذين يقدمون دماءهم فقط، أعلنتْ كلماتي بطريقة احتفالية مولد الكاتبة داخلي.. لم أدرِ حينها أأحتفل كما يُراد لي، أم أتجاهل الموضوع وأمضي في سبيلي كما كنت أفعل دائماً.
كان حلم الكتابة يراودني منذ صغري، عندما طفقت أدوِّن كلماتي الباكية التي تشكو هموم الحياة وصعوباتها وتحدياتها ومعاناتها، والتي لم تجد في معظم الوقت من يصغي لها غير تلك الأوراق البائسة.
انطلقت أكتب في النجاح والتفوق، أرسم لوحة فنية تحفز قارئها وتدفعه لعدم الاستمرار في الوقوف حيث هو؛ بل التقدم للأمام وتحدي الصعاب وتخطيها.. فهناك قمة مشرقة تنتظره وبحاجة لمن يسبر غورها.. فلماذا لا يكون هو ذاك؟ حتى أبصر كتابي "كيف تنجح وتتفوق.. إضاءات في دروب التفوق والنجاح والمجد" النورَ.. تملكتني حينها سعادة غامرة.. ها هو ذا كتابي الأول بين يدي، أحمله كطفل صغير مدلل.
ومنذ ذلك الحين، سميت نفسي كاتبة، ونذرت نفسي للكتابة عن هموم الناس، كاتبة تطرق كل باب أعياهم فتحه، ولا تترك فكرة تؤرقهم إلا وتتناولها وتناقشها من جميع زواياها، ولأنني وجدت في هموم المرأة ما يتوجب عليَّ الحديث فيه، وطرح جميع قضاياها حتى شديدة الحساسية منها.. انبريت أكتب بلا حرج، ولا وجل، بعيداً عن قضايا الحب والغرام، وأعالج مشاكلها بكتاباتي.
ولأنني اكتشفت سراً، سأبوح لك به: إن في داخل القارئ العربي شهريار المولع بسماع الحكايات، فهو يفضل قراءة القصة على أي شيء آخر، فتراه يمر على تفاصيلها بنهم ومتعة؛ ربما لأن القصص تثير فضوله، خاصة تلك المكتوبة بضمير المتكلم، وليس على شكل مقال سرعان ما يمل منه وغالباً لا يتم قراءته..
لتلك الأسباب مجتمعة، انطلقت أكتب الكثير من القصص القصيرة التي تعالج قضايا لا حصر لها، ولا أخفيك أنني أتكلم في معظم الوقت بلسان بطل القصة، التي غالباً ما تكون أنثى، تبوح بمكنونات صدرها بصراحة تامة.. فتراني أعبِّر عن مشاعرها من دون مواربة، وأدفع عن حقوقها، وأوجه النصائح للآخرين بلسانها.
فمرة تكون بطلتي عرجاء، ومرة مطلَّقة، ومرة أخرى عانساً، وقد تكون زوجة أسير أو شهيد، وأماً لمعتقل لدى المخابرات، وأحياناً مريضة بالسرطان… إلى غيرها من الأدوار والحالات التي لا حصر لها.
الغريب في الأمر، أنني أجد في مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية المختلفة التي أكتب فيها، من يطل عليَّ ليتضامن معي، مشفقاً على حالي، ويدعو لي بأن يثبِّتني الله ويعطيني الأجر.. يغيب عن بال القارئ أنني كاتبة تكتب بلسان أبطال قصصها، وتصف حالهم ليتعظ الناس منهم وينتبهوا لما غاب عن بالهم.
ولأكون صادقة معك، فأنا أتلعثم بالكتابة أحياناً، وتزداد الحالة قسوة عندما تتحول إلى خرس يُعجزني عن التلفظ بأية كلمات.. فتضطرب نفسيتي، وأشعر وكأنني هويت في بئر عميقة لا خروج منها إلا بلطف الله.. فألتجئ إلى دعاء الله، وإلى القراءة التي تبثُّ في نفسي بذور أفكار جديدة سرعان ما تشق قشرتها وتنمو قممها اليانعة خارج التربة، ثم تورق وتزهر وتطرح ثماراً طيبة، حلوة المذاق.
لا تتخيل كم يؤنس قلبي دعمُك وتشجيعُك لي بألا أتوقف أمام المُعيقات التي تعترض طريقي، وكم أكون سعيدة عندما تكون أول من يقرأ مسوداتي، فتبدي الملاحظات، وتنتقد الأخطاء.. وتكون من قرائي الحريصين على متابعة ما أكتب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.