الدوسنتاريا: مرض غياب الوعي

وتحدث الإصابة في الأطفال بين عمر 2 و3 أعوام، أما الغالبية من إصابات الأطفال تحدث قبل عمر الخامسة، ولكن تندر الإصابة بالمرض قبل عمر 6 شهور، وغالباً السبب في ذلك احتواء لبن الأم على الأجسام المضادة للميكروب.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/03 الساعة 05:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/03 الساعة 05:37 بتوقيت غرينتش

مرض الدوسنتاريا أو الزحار: مرض تاريخي ضرب بجذوره في أعماق التاريخ وهو يصيب الأمعاء ويؤدي إلى حدوث إسهالٍ دموي حاد.

ونعني بالإسهال هنا: ارتفاع عدد التغوطات إلى أكثر من 3 مرات في اليوم، أو انخفاض في مدى صلابة البراز؛ ليصبح برازاً رخواً أو مائياً، وذلك لتضرر الغشاء المخاطي في الأمعاء، بفعل الإصابة بالعدوى التي تنتقل إلى الجسم عن طريق الفم عند تناول الطعام أو الماء الملوثين فضلاً عن أنه مرض يطال كافة الأعمار، وينتشر بكثرة في الصيف، وفي البيئات غير الصحية مثل المعسكرات والمدن الداخلية، أو إذا كان أحد القائمين على طهي الطعام أو تقديمه مصاباً بالمرض، وقد عرف هذا المرض قدماء المصريين واستخدموا عسل النحل النقي وزيت الكسبرة بمقادير متساوية في علاجه.

ومن الطريف أن الملك عموري الأول ملك بيت المقدس الذي استغل ارتباك الدولة الفاطمية في عهد الخليفة العاضد والصراع على منصب الوزارة بين "شاور" ومنافسه "ضرغام" في شنّ حملة عسكرية على مصر أتبعها بأربع محاولات أخرى حاول فيها هذا الملك الصليبى غزو مصر، ولم تفلح أي واحدة منها، وقد كان مرض الدوسنتاريا هو الذي وضع حداً لحياته؛ حيث اعتراه ضعف شديد عقب إصابته به ورفض طبيبه العربي أن يعطيه مسهّلاّ -لما ثبت عنده من نصائح الطبيب العربي الرازي أن ضعف القوة أردأ العلامات- أما طبيبه الفرنجي ففعل ذلك مما أودى بحياة الملك في عام 1147م، كما أنه أيضاً المرض الذي أودى بحياة الرحالة والمستشرق السويسري جان لودفيج بورخاردت (بوركهارت) أو كما أشار له الجبرتي في كتابه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" باسم "سيدي إبراهيم المهدي الإنكليزي"، وهو مكتشف معبد أبوسمبل وأول أوروبي يؤدي مناسك الحج وكتب كتاباً عن رحلته في الجزيرة العربية باسم "رحلات في شبه الجزيرة العربية".

تنقسم الدوسنتاريا إلى: الدوسنتاريا الباسيلية (الزحار العصوي)، إذا كان المتسبب في المرض هي بكتريا الشيجيلا وهي عصياتٍ ذات قدرة تكيفٍ عالية بمقاومتها للأدوية وتغييرها للنمط الجيني، ولوحظ أن البشر والغوريلات هي المضيف الوحيد لهذه الجراثيم.

وأغلب الإصابات بالشيجيلا تحدث نتيجة دخول دورات المياه غير النظيفة، أو عدم غسل اليدين جيداً بالماء الجاري والصابون، ونتيجة لتناول الأطعمة المكشوفة، ومقاهي الشاى والقهوة، التى يتم تنظيف الأدوات فيها بشكل غير صحي، بالاعتماد على "الجردل" المملوء بالماء.

وتحدث الإصابة في الأطفال بين عمر 2 و3 أعوام، أما الغالبية من إصابات الأطفال تحدث قبل عمر الخامسة، ولكن تندر الإصابة بالمرض قبل عمر 6 شهور، وغالباً السبب في ذلك احتواء لبن الأم على الأجسام المضادة للميكروب.

وتتراوح الفترة بين الإصابة وظهور الأعراض بين 1 و3 أيام، ولكن غالباً لا تتجاوز اليوم الواحد ثم تبدأ الأعراض بنوبات مفاجئة من تقلصات البطن، وارتفاع في درجات الحرارة مصحوباً بغثيان وقيء وإسهال مترافقاً بمخاطٍ أو قيحٍ أو دمٍ يؤدي للجفاف ومغصٌ بطني حاد وزحيرٌ (صعوبة في التغوط)، مع رخاوة في أسفل البطن، ويحتوي البراز على المخاط ودم واضح، ويمكن حدوث سرعة في ضربات القلب نتيجة لارتفاع درجه الحرارة، وكذلك سرعة التنفس، ويمكن حدوث أنيميا.

يمكن الوقاية من مرض الدوسنتاريا الباسيلية، وذلك من خلال الاهتمام بالرضاعة الطبيعية لفترة كافية، وكذلك ضرورة الاهتمام بغسيل الأيدي بعد التبرز، وقبل إعداد أو تناول الطعام.

وعلى الرغم من أن المرض في الأغلب يشفى من تلقاء نفسه في غضون يومين إلى ثلاثة، فإن توصيات منظمة الصحة العالمية على علاج الأطفال الذين يشتبه في إصابتهم بالشيجلا بإعطاء المضادات الحيوية الفعالة لضمان سرعة العلاج، وعدم حدوث مضاعفات وللحد من انتقال العدوى للآخرين.

ويتم إعطاء المضاد الحيوي المناسب لمدة 5 أيام مثل عقار الامبيسللين بجرعة 100 ملليغرام/كيلوغرام عن طريق الفم، ويمكن كذلك استخدام عقار السيفاترايكسون بجرعة 50 ملليغراماً لكل كيلوغرام عن طريق الحقن مرة واحدة، كما يجب تعويض الجسم بالسوائل والأملاح خلال المرض منعاً لحدوث الجفاف، ويمكن وصف مخفضات الحرارة، وخصوصاً للأطفال، وذلك لتخفيف الحمى، وللحيلولة دون وقوع تشنجات.

كما يجب عدم استعمال الأدوية التي توقف حركة الأمعاء، خاصة في الأطفال تحت عمر 3 أعوام مثل عقار (الأيموديوم Imodium)، وبحسب توصيات منظمة الصحة العالمية يمكن استخدام الزنك لمدة 10 أيام كوسيلة فعالة في مقاومة الإسهال.

أما النوع الثاني وهو: الدوسنتاريا الأميبية أو النزلة المعوية الطفيلية، إذا كان المتسبب في المرض هي الأميبا: وهو مرض معوي يسببه طفيل يسمى الإنتميبا هيستوليتيكا. يعيش هذا الطفيل في قولون الإنسان، بحيث يتغذى على الغشاء المخاطي المبطن للقولون، ويسبب ثقوب في هذا الغشاء مسبباً تحلله بما يفرزه الطفيل من إنزيمات ليشق طريقه بعد ذلك ضمن المجرى الدموي ناقلاً العدوى إلى الأعضاء الأخرى، مثل الكبد والرئتين والقلب، ويصيب الكبد بحويصلات (خراج) (Abscess).

وتحدث العدوى عند وصول براز الشخص المصاب إلى الفم، مثل تناول طعام أو ماء ملوث يحتوي على "الكيس الطفيلى للأميبا"، أو عدم نظافة اليد، واستخدام أدوات غير نظيفة.

ولتجنّب العدوى:
يجب الاهتمام بغسل الأيدي بالماء والصابون قبل تناول الطعام وبعد دخول الحمام، وغسل الخضراوات والفواكه الطازجة جيداً، ومقاومة الذباب وعدم التبرز في العراء، والفحص الصحي على العاملين والطباخين في المطاعم والبيوت، وتغطية القمامة والتخلص منها ووضعها في الحاويات المعدة لذلك في أقرب وقت ممكن، كما يجب أخذ الحيطة عند إعداد السلطات، كما يُنصح بتجنب استخدام مكعبات الثلج في الأشربة خارج المنزل، إلا إذا كنت متأكداً من أنها أُعدت من مياه نظيفة ومعقمة.

يمكن الإصابة بالعدوى بطفيل الإنتميبا هيستوليتيكا بدون ظهور أي أعراض على حامل العدوى، وهذا يمثل 90% من الإصابات، ولكن في باقى الإصابات تكون اﻷعراض: إسهال شديد مدمى لزج كريه الرائحة مصحوباً بآلام وحساسية في البطن تستمر لبضعة أسابيع، إمساك متقطع، امتلاء البطن بالغازات، انخفاض الوزن، فقدان الشهية والوهن العام، وغالباً لا يبدي الشخص ارتفاعاً في درجة الحرارة.

وفي معظم الحالات تختفي اﻷعراض بعد أسبوعين. مع وجود علاج فعال تنتهي اﻷعراض ولا ترجع ثانية، ولكن إذا لم يتناول المريض علاجاً مناسباً تتكرر اﻷعراض مجدداً. أما العلاج فيؤخذ مضاد للطفيليات مثل ميترونيدازول 500 مج أو تينادازول.

ومن الأمور الطريفة التي رصدها الطبيب الإنكليزي سيسيل ألبورت، الذي عمل أستاذاً للطب الإكلينيكي بمستشفى فؤاد الأول خلال الفترة من 1937 وحتى عام 1943 في كتابه (ساعة عدل واحدة – الكتاب الأسود عن أحوال المستشفيات المصرية)، حول مرض الدوسنتاريا في البيئة المصرية من أن الدوسنتاريا الباسيلية كانت أكثر انتشاراً وسط الإنكليز بالمقارنة بالمصريين، وأن تقريباً كل إنكليزي يزور مصر كان يصاب بحالة غريبة ومفاجئة من الإسهال، وذلك لأن الإصابات الحادة الأخرى التي أصابت المصريين على مدى قرون منحتهم مناعة ضد الدوسنتاريا الباسيلية، على حد قوله!

فيما هو العكس بالنسبة للدوسنتاريا الأميبية التي كانت منتشرة بين الفلاحين المصريين الفقراء الذين تحمس الطبيب الإنكليزي لقضاياهم ومعاناتهم، كما يرصد فلسفة ما زالت إلى يومنا هذا قائمة في طريقة بنائنا للمستشفيات التي ينفق على حجمها وشكلها الخارجى مبالغ طائلة فيما يكون الإهمال في الجانب المتعلق بالمرضى من تجهيزات وخدمات، ففي الوقت الذي أنفقوا فيه آنذاك مليوناً ونصف المليون جنيه على بناء مستشفى فؤاد الأول كان المستشفى بالداخل بدون سلك مانع لدخول الذباب، مما أدى لإصابة المرضى بالدوسنتاريا فضلاً عن مرضهم الأساسي!

ومن العلاجات الطبيعية التي تستخدم في علاج الدوسنتاريا: عسل النحل، وقد جاء في الهدي النبوي ما له من تأثير في علاج الإسهال الشديد، فقد جاء في الصحيحين: من حديث أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن أخي يشتكي بطنه – وفي رواية: استطلق بطنه (الإسهال الشديد)- فقال: اسقِه عسلاً، فذهب ثم رجع فقال: قد سقيته فلم يغنِ عنه شيئاً"، وفي لفظ: "فلم يزده إلا استطلاقاً مرتين أو ثلاثاً كل ذلك يقول له: اسقِه عسلاً، فقال له في الثالثة أو الرابعة: صدق الله وكذب بطن أخيك فسقاه فبرأ"، كما ينصح بثلاثة ملاعق صغيرة من الرمان المطحون مع ثلاث ملاعق صغيرة من الحبة السوداء المطحونة مع مثلهما من الزنجبيل المطحون، ثم تحلّى جميعاً بعسل النحل مع إضافة عصير الليمون.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد