يختلف الناسُ كثيراً فيما بينهم حين يتحدَّثون عن الحُب، فمنهم من يراه رزقاً وقَدَراً من عند الله تعالى يأتي للناس بغتةً، ومنهم من يراه قراراً واختياراً يضعه الإنسانُ أمام عينيهِ، ويبدأ بتنفيذه خطوة بخطوة.
فدعوني أقولُ لكم إن حياة الإنسان وما فيها من حب وزواج ومال وأولاد… هي رزق من الله، فلا تقطع رزقاً، ولا تُقرِّب أجلاً، ليس في الأرض قوة تستطيع أن تُنهي أجلكَ، وليس في الأرض قُوةٌ تستطيع أن تَقطع رزقك.
الحب ما هو إلا رزق، فلا تستعجلوه، ولا تصنعوه، أو حتى تطلبوه، دعوه يأتيكم في غفلة منكم، فالحب شيءٌ مقدس، هو رزق مثل المال والأولاد قد يعطيه الله لبعضنا، كما يمنعهُ عنَّا لحكمةٍ لا يعلمُها إلَّا هو سبحانه وتعالى. الحب يتجلَّى في حبِّ سيدنا إبراهيم عليه السلام لزوجته سارة، إذ كان يحبها حباً شديداً، حتى إنه عاش معها ثمانين عاماً وهي لا تُنجب، حتى أصرَّت وطلبت منه كثيراً الزواجَ من السيدة هاجر (أم إسماعيل).
أحياناً أستغرِبُ جداً من أشخاصٍ لا يُقدِّرون معنى الحُب، ويستغلُّون مشاعِرَ الآخرين باسم الحب… الحب ليس كلمات وغزلاً فقط، هو وفاء، وتقدير لمشاعر الآخر، كما أنه ارتباط روحي. أن تُحبَّ يعني أن تهتم.. أن تسأل.. أن تفعل.. لا أن تقول فقط. وأجمل هدية تقدمها لمن تحب أن تخاف عليه، وتخاف الله فيه.
ماذا يعني الحب؟ إنه يعني أن تنظر إلى الشوكة، وترى الوردة، أن ترى الظلام وقلبك يبصر النور، الحب هو أسمى المشاعر الإنسانية على الإطلاق، الحب لا يعرف حدودَ العمر أو حدوداً جغرافية، الحب لا يعترف بالجنسياتِ، الحب له ثقافة واحدة هي لغة الحب النقية.
فإذا أحببت شخصاً خذه معك، في رسائل السماء دون علمه، هكذا يكونُ الحُب أجمل، وأصفى، وأقرب إلى الله، فالحب الحقيقي دعاء.
أي كلمات لا توفي الحب حقه، وقول رسولنا الكريم محمد عن أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد "إني رُزِقتُ حُبَّها" هو دليلٌ صريح وقوي على أن الحب رزق، وهدية من السماء.
كما يتجلَّى حُبه عليه الصلاة والسلام أيضاً لزوجته عائشة، في قوله لأم سَلمة: "لا تؤذِيني في عائشة".
أسمى معاني الحُب والمودة تظهر جليّة في هذه الجملة، لأننا عِندما نُحب، يؤلمنا، بل يؤذِينا أذى من نحب، وتُحزننا أحزانهم.
الحب الذي يَهِمُك بالخيال، ويكتفي بإعطائك جرعةً من السعادة المؤقتة ليس حباً، الحب الحقيقي هو الذي يربطك بالمأساة البشرية والمعضلة الإنسانية، الحب يجعلك تكتشف معاناة البشر كافة، ويريك العالم بلا أقنعة. الحب أيضاً يعني العفاف والسكينة، ولنبتعد عن حب مقدماته الشهوة الجنسية، ولا نموَّ له إلا الرذيلة، ولا تلهث وراء حبٍّ مغلَّف بمعصية، لأنك فقط متعلق بحبيب وتنسى أنه قد يتخلى عنك من أوقعك في معصية الله. فالحب يعني ما يُرضي الله، ويكون سبيل الوصول إليه هو عمل صالح يجمع الأحبة.Haut du formulaire
لا بد من إعادة الحب إلى قلوبنا، ولِمَن حولَنا، فالحب يحتاج للفتة صغيرة، لدفعة إلى الأمام، وربما لوردة حمراء نقدمها لمن نحب.
إن كنت أنت من الأشخاص الذين أنعم الله عليهم بنعمة الحب، فاحمَد الله صباحاً ومساء، وإن كنت من الذين فقدوا حبيباً فأدعو الله أن يرزقك به. يبقى الحب أغلى رزق وأحلى هبة وأزكى نعمة.
فقد يكون الرزق أحياناً قلوباً يسُوقُها الله إليك لتسعدك. هكذا هو الحب.
أخيراً، ستحمد الله كثيراً جزاء صبرك الجميل، لتنال رزقاً يتعجبُ له أهل الأرض، فلا تستعجلوا رزقكم فهو آت، ولن يرزقنا الله إلّا ما فيه خيرُ لنا، وما يرضيه لننال البركة والسعادة فيه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.