الإنسان صار خليفة لله في الأرض بشيئين خصَّه الله بهما هما:
الأول: العقل.
الثاني: الإرادة.
وبهما حمل الإنسان أمانة الله التي أشفقت من حملها السماوات والأرض والجبال، قال الله عز وجل:
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}.
فالإنسان بهما -العقل والإرادة- معاً إنسان، فإن هو عطّلهما، فقد خرج من كونه إنساناً إلى كائن له صورة إنسان، لكنه ليس من الإنسانية في شيء.
فمتى يعطل الإنسان عقله وإرادته؟
قبل أن نجيب عن ذلك نلفت النظر إلى أمر هام هو:
ليس كل إنسان هو خليفة لله في الأرض، فليس كل إنسان أهلاً لذلك الشرف.
إن خلافة الإنسان لله في أرضه تكون بأداء الأمانة التي حملها، فإن هو ضيّعها، فقد تجرد من شرف هذه الخلافة.
فبعيد عن العقل وبعيد عن الحكمة أن يزعم زاعم أن:
– الكفار والمشركين خلفاء لله في أرضه.
– ولا أن يزعم زاعم أن الطغاة الجبارين البغاة الفاسدين المفسدين في الأرض خلفاء لله في أرضه.
– ولا أن يزعم زاعم أن الفسقة الفجرة المجرمين المفسدين في الناس والدين خلفاء لله في أرضه.
فليس من العقل ولا من الحكمة أن يزعم زاعم أن هذه الأصناف التي لها صورة بشرية خالية من أسباب الإنسانية هم خلفاء لله في أرضه.
وذلك لأن هذه الأصناف وَظَّفَت أمانة الله في غير ما خُلِقَت له، بل في نقيض وضِدِّ ما خُلِقَت له، فكيف يزعم زاعم أن هؤلاء بشر؟!
إنهم ليس لهم من الإنسانية إلا صورة الإنسان.
وهؤلاء تجرّدوا من إنسانيتهم بهواهم وباختيارهم.
والأصناف السابقة ليست هي فقط التي تجردت من إنسانيتها فهناك أصناف أخرى، من هؤلاء:
– صِنف يسلم عقله وإرادته لطاغية فاجر طمعاً، فيتنازل عنهما طوعاً لهذا الطاغية رغبةً في عَرَض من الدنيا زائل.
– وصِنف آخر يترك عقله وإرادته ويُعَطِّلهما خوفاً ورهباً، فيُسَلِّم نفسه لطاغية فاجر خوف بطشه، فيجعل من نفسه كلباً أميناً خادماً لهذا الطاغية.
– وصِنف ثالث يقف بين الحق والباطل زاعماً الحِياد، وهو أخو الباطل وداعمه وناصره، فلا حِياد بين حق وباطل، فلا بد من نصرة الحق، ولا بد من دفع الباطل والمنكر، فإن لم يفعل الإنسان كان نصيراً داعماً للباطل بحياده المزعوم وسكونه، وكان مفرطاً في أمانة الله التي حملها، فقد ترك إرادته باختياره، وضيّع بعض بل أهم ما خُلِقَ له.
إن الإرادة والعقل هما عنصرا الإنسانية، بهما يكون الإنسان إنساناً، ومن دونهما يجعل من نفسه كائناً يمشي ويدب على الأرض، لكنه لا يبقى له من إنسانيته إلا الهيئة والصورة.
فإن شِئتَ أن تحيا الإنسان الذي كرمه الله، وجعله خليفة له في الأرض، فاحفظ لنفسك عقلك وقلبك وإرادتك، واجعلها تبعاً لما خلقك الله لأجله، ألا وهو: أن تعبد الله وحده ولا تعبد غيره.
وعبادة غير الله ليست بالشرك فقط، وإنما تكون بالشرك، وتكون بترك طاعة الله لأجل طاعة طاغية رغباً أو رهباً، أو باتباع فاسق فاجر لأجل الهوى والزيغ، أو باتباع ضال منحرف جهلاً وحماقة.
فإن النجاة والفوز إنما هما في رضا الله، وإن سخط عليك الناس أجمعون.
وإن الخسران والضياع والهلاك في إرضاء الناس بسخط الله.
اللهم إنا نعوذ برضاك مِن سخطك، وبمعافاتك مِن عقوبتك، وبكَ مِنكَ، لا نُحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.