اليأس لا يحتاج فلسفة

يحتاج اليأس اجتهاداً ولا خيالاً خصِباً، يكفي أن تنظر إلى قمم الجبال وتسأل نفسك: أي إنسان غبي يظن نفسه قادراً على بلوغها؟! ولِتنعمَ بالراحة النفسية تخيَّل منظره وهو يهوي من فوق على رأسه، ولتتخلص من تأنيب الضمير توقَّع سيناريو نفاد طعامه أو التواء كاحله.. إن اليأس ببساطة هو النجاة من كل الضربات والطعنات التي بإمكانها أن تقتلك، لتموت في الأخير متعفناً بسبب الأحلام التي قضت نحبها بداخلك.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/27 الساعة 05:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/27 الساعة 05:34 بتوقيت غرينتش

لا يحتاج اليأس اجتهاداً ولا خيالاً خصِباً، يكفي أن تنظر إلى قمم الجبال وتسأل نفسك: أي إنسان غبي يظن نفسه قادراً على بلوغها؟! ولِتنعمَ بالراحة النفسية تخيَّل منظره وهو يهوي من فوق على رأسه، ولتتخلص من تأنيب الضمير توقَّع سيناريو نفاد طعامه أو التواء كاحله.. إن اليأس ببساطة هو النجاة من كل الضربات والطعنات التي بإمكانها أن تقتلك، لتموت في الأخير متعفناً بسبب الأحلام التي قضت نحبها بداخلك.

يجب ألا تكون فيلسوفاً لتبرهن على استحالة نجاح أي فكرة عظيمة، فهي عظيمة لأنها تبدو مستحيلة، في السيرة عندما خرج محمد -صلى الله عليه وسلم- مع أبي بكر مهاجراً للمدينة، تبعهم سراقة بن مالك؛ طمعاً في جائزة قريش وكان من أعرف الناس بالصحراء، اقتص أثرهم واقترب منهم، حتى إذا ظن أنه مُدركهم انغرست رجل فرسه في الوحل، ففهِم أن قوة إلهية تدخلت لحماية هذا الرجل الماثل أمامه، فطلب منه أن يدعو الله له لينجيه مقابل أن يعمي أبصار المتتبعين من خلفه، قبِل الرسول -صلى الله عليه وسلم- الاتفاق، وخاطبه قبل انصرافه: "كيف بك إذا لبست سوارَي كسرى ومنطقته وتاجه؟"، فقال سراقة: كسرى بن هرمز؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم".

هذه القصة معروفة، وما ذكرتها إلا لأطلب منك أن تتخيل أنك سمعتها في السنة الأولى للهجرة، طبعاً لست بحاجة لأن تكون على دراية بنظريات حتمية التاريخ أو الفوضى ولا متحصلاً على دكتوراه في السياسة لتكتب أطروحة من ألف حجة تبين فيها أن هذه البشرى مجرد أضغاث أحلام، فكيف لتاج كسرى أن يسافر من مدائنه ليصل لرأس هذا البدوي الذي يسكن الصحراء؟!

إنها قصة تعارض معطيات الواقع، لكن إن عشت بعدها ست عشرة سنة فستشاهد بعينيك أمير المؤمنين عمر، الذي كان يرعى إبل الخطاب، يستلم الغنائم التي أرسلها سعد بن أبي وقاص هادم ملك المجوس، فيتذكر الفاروق الوعد وينادي على سراقة ليلبسه الحلي.

إن التاريخ مليء بالشواهد التي هزمت الواقعية الجبانة، فالعبد بيبرس الذي كان يُباع في أسواق بغداد كبر ليصبح واحداً من أعظم سلاطين الأمة الإسلامية وبطل معركة عين جالوت ضد المغول، والحلم بجزائر مستقلة بعد قرن من الاحتلال بدأه ستة شبان دخلوا العاصمة الجزائرية خائفين يترقبون، عقدوا اجتماعاً سرياً خططوا فيه لإعلان الحرب على رابع قوة عسكرية في العالم آنذاك، ولو أنهم استعانوا بواحد في المائة من منطق أحد خبراء اليأس الحاليين لكان هذا الأخير الآن يقضي حياته في العمل بإحدى مزارع الكروم؛ ليشتري الفرنسي الخمر في باريس بسعر أقل من الماء، وكيغالي الرواندية التي كانت تعاني الحرب الأهلية والمجازر سنوات التسعينيات تم اختيارها أحسنَ مدينة إفريقية سنة 2015.

لا فرق بين الاستراتيجي الذي يتكلم عن الفرص الضئيلة لنجاح أحلامنا، ومن يقول إن الإنسان ليس بإمكانه الطيران لأنه لا يملك أجنحة، ولا يستطيع بناء ناطحات سحاب لأنه ليس عملاقاً، وهو غير قادر على الوصول للقمر لأنه لا يوجد أكسجين هناك.

إن اليأس هو الركود والجمود والاستسلام لكل القوانين الظالمة المفروضة من البشر الأقوياء على غيرهم من الضعفاء. أما الأمل، فهو كسر الأَسر وتحدي الجاذبية والمضي قدماً نحو القمة.

في الأخير، أريد أن أقول إن اليأس هو التخويف والترهيب من انحدار الجبل وحجارته الناتئة، أما الأمل فهو عقد النية وتجهيز العدة والبدء في الصعود؛ لأنه لا يوجد جبل مسطح.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد