النور الذي كان يزعجني انطفأ

يا بُني، ارتحل في هذه الدنيا متى شئت وكيف شئت، فسُنّة الله في خلقه أن يتعارفوا، لكن لا تنسَ أن تهبط خفيفاً على قلوب الناس وديارهم، ولا تزد على إعطائهم سؤالهم، فالمستزيد من الكلام مخطئ، والناس يُحسنون صيد أخطائنا ويحكمون، وهيهات يسمعون، وهيهات يغفرون.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/27 الساعة 04:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/27 الساعة 04:24 بتوقيت غرينتش

يلقي السمع وما هو بحسير؛ لأنه لم يعد مضطراً لسماع هراء الناس ما لم يعيدوه عليه ليبلغ سمعه الثقيل، فسمعه تكاد صلاحيته تكون انتهت، وسلبت الأيام منه نور عينيه حبيبتيه، فكررت طلبي عليه أن يعطيني من حياته نصحاً لم يعطه إياه أحدٌ سوى الأيام، فقال:

يا بُني، التحزب لعنة تلزمك ما لا تستطيع عليه صبراً، وتأخذ من عقلك لجنونك ومن حياتك لموتك ومن سماعك لصممك، ومن حوارك لصدِّك، وتضع على عينيك غشاوةً تعميك عن رؤية الحق، فإن كان لا بد، فتحزَّبْ إلى ما يزكِّيك، لا إلى ما يؤذيك، وليكن حكمك في ذلك استقامة من تنتمي إليه؛ لأن المرء بإخوانه، فانظر من ينفعك في شدتك ولا يضرك في رخائك.

يا بني، العمر شمعة لا يعلم المرء متى تهب عليها رياح الموت، ليكن متاعك منها عمل صالح، تدفع به عن مظلوم، أو تطعم به جائعاً، أو تستر به إنساناً، ويكفيك من الشر أن تسمعه فلا تحمله أو تنقله، ولا تغدر بإخوانك، ولا تخن من خانك، وآجِرْ من استجارك.

يا بُني، ارتحل في هذه الدنيا متى شئت وكيف شئت، فسُنّة الله في خلقه أن يتعارفوا، لكن لا تنسَ أن تهبط خفيفاً على قلوب الناس وديارهم، ولا تزد على إعطائهم سؤالهم، فالمستزيد من الكلام مخطئ، والناس يُحسنون صيد أخطائنا ويحكمون، وهيهات يسمعون، وهيهات يغفرون.

يا بني، لقد آذاني الناس ما كُتبت لي الحياة، آذوني في سكني وقومتي، وهدأتي وثورتي، سالمتهم حيناً ودافعتهم أحياناً، أليست تلك سُنة الله كتبها على عباده؟ ولا يسلم المرء من الناس حتى يموت، فيقبرون بغضاء قلوبهم نحوه معه، وينقضي سبيل الدنيا الذي كان يقطعهم، إلى أخرى، كلٌّ فيها لاهٍ بنجاته كيف يحققها.

يا بني، الناس يشمتون، فإياك أن تشمت معهم، ولا تأسَ إن هم بك شمتوا، فلئن أفلتوا فلهم أن يشمتوا، ولا تُطلعهم على خيباتك ومكامن ضعفك إلا ما عرفوا منه هم، وإياك وتتبُّع الناس، فإن تتبُّعهم يورث ركون النفس إلى عملها، وهي لما تعمل شيئاً، وتخلف حسدهم على نعمائهم والضحك من بأسائهم.

يا بني، إن لم تنسِك الأيام فسينسيك "ألزهايمر" عندما تتقدُّم سنّك، ولكن الأيام تُنسي، أما أيام السرور فجاهدها أن تنسيك معروفاً قُدِّم لك، أو بِرّاً فُرض عليك، أو أن تهزأ بمعلمك الخير. وأما مصائب الأيام، فالأيام وحدها كفيلة بهضمها، ولا تَهلك حزناً على ما فاتك يا بني؛ فالحزن لا يرد ما مضى، ولا تبالغ في الفرح على تمام أمر، فما بعد تمام البدر إلا هلالاً نحيفاً.

يا بني، سيعجبك من النساء كثيرات، ولا يد لنا في الحب فنردّه، أو نقطع وصله، لكن لنا اليد في مراقبة قلوبنا ألا تزلّ فنذلّ، وألا تستكثر فتنكسر، أحبِب من شئت منهن، لكن لتكن صافية الوداد لك، مؤمنة الفؤاد بك، وتلك عزيزة أن تجدها، فإذا ما وجدتها فهي مفازة أخراك وجنة دنياك، بسمة ثغرك، وبشّة وجهك وسِعة رزقك واطمئنان فؤادك، وخير تيجان المحبة الزواج.

– أأنهيتَ يا جدي؟
* نعم يا بني أنهيت، وكادت الأيام تنهيني.

– يا جدي بارك الله في عمرك وأحسن لك في عملك، فقد نصحتَ لي فأوفيتَ، وسمعتُ لك فأطعتُ، أفلا أطفِئ لك النور حتى تنام؟

* يا بني، النور الذي كان يزعجني في نهاري وعند نومي انطفأ، أطفأه العمى، كذلك يذهب كل جميل، وما عند الله خير وأبقى، فاستودِع جميل ما في يدك عند الله، إلا تفعل تكن من الخاسرين..

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد