يعد النقرس في المقام الأول مرضاً مرتبطاً بنمط الحياة، وهو نوع من التهاب المفاصل يصيب أصابع القدم، وخاصة الإبهام، بألم شديد، ولكن قد يؤثر النقرس في أكثر من مفصل في الجسم، وعادة ما يحدث النقرس بكثرة في الرجال، وبنُدرة في النساء.
يحدث مرض النقرس نتيجة للزيادة في مستوى حمض اليوريك "حمض البوليك"، وهو المنتج الطبيعي النهائي للتمثيل الغذائي لأنواع من البروتينات الموجودة في الدم، ومن المعروف أن حامض اليوريك يعمل كمضاد للسموم والأكسدة داخل الخلايا؛ لذلك فإذا انخفض مستوى حمض اليوريك كثيراً، فإن الجسم يفقد فوائده المضادة للأكسدة، إلا أن زيادة نسبة أملاح حمض اليوريك في الدم عن معدل 7 مجم لكل 100 مل من الدم، يؤدي إلى ترسبها في الأغشية الداخلية للمفصل وعظام المفصل؛ حيث تحدث الآلام المميزة لمرض النقرس، ويأتي هذا الارتفاع نتيجة للإكثار من تناول اللحوم الحمراء لاحتوائها على مواد كيميائية تعرف باسم (البيورين)، التي تتفكك في الجسم؛ لتنتج حمض اليوريك، وارتفاع مستوى الكوليسترول، وضغط الدم، واستعمال العقاقير المدرة للبول، مثل الفيروسميد، والعلاج بالسيكلوسبورين المصاحب لمرضى الكلى، وقصور الغدة الدرقية، ومرض الصدفية، بالإضافة لوجود تاريخ عائلي للإصابة بالنقرس، وكما يقولون "فرب ضارة نافعة"، فزيادة حمض اليوريك بخصائصه المضادة للأكسدة سالفة الذكر في الأشخاص الذين يعانون من النقرس قد تجعلهم أقل عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر، بحسب بعض الدراسات.
كان النقرس معروفاً منذ العصور القديمة مقترناً مع الثراء؛ لذا كان يسمى داء الملوك، أو مرض الطبقة الأرستقراطية، وكانت أول حالة موثقة من المرض في مصر الفرعونية في 2640 قبل الميلاد في وصف لالتهاب مفصل إصبع القدم الكبير.
ويعتبر (أبقراط) المعروف بـ(أبو الطب) في القرن الخامس قبل الميلاد أول من اكتشف المرض وعرفه باسم "مرض عدم القدرة على المشي"، ومن الطريف أن هرمس قد أورد في علاجه أن الجلوس على جلد الأسد يذهب البواسير والنقرس.
وفي اللغة الإنكليزية، استخدمت كلمة "Gout" في البداية من قِبل رانددولفوس من بوكنغ في حدود عام 1200 م، وهي مستمدة من اللاتينية، وتعني "قطرة من السائل، أي تقطير مادة ممرضة من الدم في المفاصل وحولها".
في عام 1683 حدد الطبيب الإنكليزي توماس سيدنهام حدوث النقرس في ساعات الصباح الباكر، وميله لإصابة الذكور الأكبر سناً، كما اكتشف الطبيب الإنكليزي ألفريد بارينغ غارود أن زيادة حمض اليوريك في الدم هو سبب النقرس.
ومن أشهر مَن أصيب به السلطان العثماني سليمان القانوني، وعلى الرغم من اشتداد مرضه بالنقرس، فلم يبالِ بنصيحة طبيبه، وخرج على رأس جيشه لحصار مدينة سيكتوار المجرية عام 1566م، وقد خلد موقفه بعبارة عظيمة: أحب أن أموت غازياً في سبيل الله.
علاج النقرس عادة ما يعتمد على استخدام دواء الوبيرينول ودواء فيبوكسوستات اللذين يثبطان إنزيم زانثين أوكسيداز، وبالتالي يقللان من إنتاج حامض اليوريك ودواء الكولشيسين (الطبيب البيزنطي الإسكندر الترالي أول مَن استخدم الكولشسين في القرن السادس لعلاج النقرس) كمضاد للالتهابات الناجمة عن بلورات حمض اليوريك، غير أنه قد يسبب الإسهال، كما يعطى المريض المسكنات اللاستيرودية المضادة للالتهاب مثل أيبيبروفين، وعندما يكون الالتهاب شديداً قد يحتاج المريض إلى الكورتيزون لفترة مؤقتة، وينصح المريض بالراحة التامة في السرير، مع عمل كمادات الماء الساخن والبارد بالتناوب (البدء بكمادات ساخنة تتلوها كمادات باردة).
وينصح بعدم تناول المريض للأسبرين (لأنه يثبط قدرة الجسم على إخراج حمض البوليك) والأدوية المدرة للبول؛ حيث إنها تتسبب في ارتفاع نسبة حمض البوليك في الدم.
ويعتبر التغيير في أنماط الحياة السبيل نحو منع هذا المرض، وذلك بالإكثار من شرب كميات وفيرة من الماء لتخفيف تركيز حمض البوليك في البول، ومن ثم تقليل تكون حصوات بالكلى.
وكذلك بالحد من استهلاك الفركتوز في النظام الغذائي الذي يؤدي لرفع مستوى حمض اليوريك ومراعاة أن حدوث نقص في بعض الفيتامينات كفيتامين B5 (حمض البانتوثينيك) وفيتامين A وE قد تسبب مرض النقرس، كما ينصح بأوراق الزيتون وأيضاً الأناناس لاحتوائه على البروملين الذي يكسر البروتين.
وعلى خلاف الدارج فبعض الدراسات تشير لدور النسكافيه بكميات معتدلة ضد مرض النقرس، وربما يكون ذلك راجعاً لاحتوائه على حمض الكلوروجيني كأهم مضادات التأكسد، كما أن ثمرة الكريز قد تسهم في تقليل فرص حدوث نوبات النقرس.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.