السلطة الرابعة بعد الأربعين

فتصالحت الصحافة نسبياً أو لنقُل بشكل كبير فبرز دور الصحافة القومية والحكومية وصراعاتها مع المعارضة والمستقلة مما جعل الصحافة تبدأ تفقد صورتها وزهوها السابق، وبدأ الأمر يأخذ من سيئ لأسوأ.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/25 الساعة 03:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/25 الساعة 03:25 بتوقيت غرينتش

سُلطة تُحاكَم ولا تحكُم وَالمفترض أنها الرابعة؛ فهي التي تُحاسب وتمدح، مهنة البحث عن المتاعب، والعبث مع الصعاب ومتعة مواجهة المصاعب.

هذه هي الكلمات والجُمل والعبارات التي كثيراً ما سمعتها من أساتذتي بالجامعة لدراسة الإعلام.

– خلفية قصيرة عن نشأة الصحافة وعن الصحافة
في مصر تحديداً:

زُعمَ قديماً أن أول وجود للصحافة كان بأوروبا في العصور الوسطى؛ حيث إن البابا كان يكتب أحداث العام على سبورة بيضاء ويحضر المواطنون للإحاطة بها.

وعندما ازداد النفوذ البابوي أصبحت السبورة لا تفٍي بالغرض، والقول الشفهي أيضاً لنجد النشرة الورقية تؤدي دورها بأكمل وجه لتُغني عن سابقيها وتصبح بهيئتِها النشرة الحالية في الواقع الجاري.

تُرجع الأغلبية أن أصل الصحافة للمصريين والصينيين من نقش الأحداث على الأحجار والحوائط وجدران المعابد وأيضاً الأوامر التي كان يصدرها الفرعون.

* بدايات الصحافة في مصر

بدأت مع دخول نابليون إلى مصر وقراره إنشاء جريدة عربية فرنسية ففي الإسكندرية مطبعة "جيش الشرق"، والقاهرة المطبعة "الأهلية".

وكانت تهدف إلى جذب المواطنين المصريين، وظهرت صحيفتا "كوربييه دي لُجيبت" و"الريكار" اللتان أشرف عليها المستشرق "فانتوري دي بارادي" مترجم الحملة الفرنسية، أما عن جريدة " التنبيه" فلم تحظَ بالخروج للنور.

1821.م أصدر محمد علي أمراً بإنشاء مطبعة ببولاق "المطبعة الأميرية" التي اهتم بوجود أحدث المعدات بها وبعد سبع سنوات من الافتتاح 182م، صدر العدد الأول من جريد "الوقائع المصرية" وكانت للنخبة وترسل مجاناً لمن يطلبها.

بعد ذلك أهداها "سعيد باشا" لمدير السكك الحديدية "عبد الرحمن رشدي بك" على شكل امتلاك مطلق.

مع تطور الحياة السياسية في عهد الخديو "إسماعيل" ظهرت العديد من الصحف المستقلة (الأهرام، الكوكب الشرقي، أبو نضارة زرقاء….) والكثير من الصحف التي تهتم بالهزلية، وصارت الحياة السياسية مثقلة بالأحداث بعد تولي "توفيق الحكم" وذلك لشدة بطشه وخضوع للحكومة البريطانية فأغلق الكثير من الصحف ونفى العديد من الكتاب وسجن البعض وحُكم على بعضهم بالمؤبد.

مر عصر الملك "فاروق" بصولاته وجولاته وصراعات الأحزاب معه وظهور الجرائد الحزبية "الوفد" مثلاً تعتبر أول صحيفة حزبية.

ظلت الصحافة والسلطة كزوجتين لرجلٍ واحد قلما ما اتفقتا على أمر حتى الثالث والعشرين من يوليو|تموز 1952 وشعور البعض أن نافذة الحرية فتحها إعصار الغضب ولم يعد أمامه ما يمنع لاستقطابها.

فتصالحت الصحافة نسبياً أو لنقُل بشكل كبير فبرز دور الصحافة القومية والحكومية وصراعاتها مع المعارضة والمستقلة مما جعل الصحافة تبدأ تفقد صورتها وزهوها السابق، وبدأ الأمر يأخذ من سيئ لأسوأ.
ربما ما سردته لا يهم الكثير لكن بعض الأحاديث تحتاج لتمهيد حتى لا تشبه القنبلة الموقوتة.

* حال الصحافة ( 2010 -2017):

تلك الآونة إن حق تسمية الصحافة بها فأفضل تسمية لها الحرة العابدة لا بصاحبة الجلالة كسالف عهدها اللهم إلا فترة (ما بعد 25 يناير|كانون الثاني 2011 حتى 2013)، وذلك بشهادة كبار الكتاب والصحفيين، وبعد ذلك قال القدر هيهات فأنت اليوم أمام نوعين من الصحفيين، إما المماطل أو الخاضع لوثن "لقمة العيش"، وإن كان هذا ليس على الصحفي فقط.

أدرك جيداً أنني لا أحدثك عن شيء جديد، لكن الحياة العملية ليست محدودة كما هو مرسوم بخيال العديد.

تحكي إحداهن أنها كانت تتدرب بإحدى المؤسسات الإعلامية وتقول: أثناء الاجتماع يحكي المدرب مواقف مختلفة لصحفيين موقوفين عن العمل ومحبوسين على ذمم قضايا لم يفعلوها.
وأخرى تحكي عن زميلها صحفي مبتدئ حصل على ملفات في قضية كبرى قد يعتبر سبقاً صحفياً في تاريخه تدين الكثير في عمليات فساد مشتركة، إلا أن رئيس التحرير قد منع ذلك حجة منه الحفاظ على أمن هذا الصغير الجاهل بمتاعب هذا المجال واكتفى بإصدار خبر لا يزيد عن سطرين عن الواقعة وكأن الأمر لم يكن، وعندما سأله هذا المبتدئ الجريء ألسنا سُلطة رابعة؟
أجاب بأن سقف الحريات محدود، ولكل مقام مقال، مبرراً فعلته بقول الله تعالى: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"؛ لينتهي النقاش إلى أنهم جيل شباب ثوري ومندفع.

ولكن أنت كصحفي مستقل تحسبها عقلانية إن كانت سُلطة رابعة تقوم بما سبق ذكره محاسبة ومحاكمة ومدح إن كانت صحيفة قومية فلِمَ الأمر يسري بصحف المعارضة بالسَلطة، وأن كل مسؤول بها يعتبرها مصدراً لباب رزق آخر "سبوبة"، فتجد أن أهل السُلطة أصبحوا سَلطة فلا تستطيع تمييز الصحفي من التاجر.

ويشغلك تناقض شوقي أمير الشعراء "ربما تقتضيك الشجاعة أن تجبن ساعة"، ويقول في بيته الشهير:
قف دون رأيك في الحياة مجاهداً ** إن الحياة عقيدة وجهاد

فإذا اقتضتني الشجاعة أن أجبن لأجل الحفاظ على النفس والأهل؛ فلمَ الدفاع عن الرأي الحق من العقيدة؟

ولماذا يوجد ميثاق الشرف الصحفي ما دام سيخلّ به آجلاً أم عاجلاً؟ أين المهنية في ذلك؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد