ما أفضل وقت للطلاق؟ ربما البعض يستغرب من هذا العنوان، ولكني لاحظت أثناء حديثي مع من يرغب الطلاق أنه لم يختر الوقت الصحيح للطلاق، فالإسلام عندما شرع الطلاق فإنه شرع ما يتوافق مع الفطرة السليمة؛ حتى لا تتحول الحياة الزوجية إلى الجحيم، ولعل المتأمل في القرآن الكريم يلاحظ عدة أمور في شأن الطلاق.. أولا: أن القرآن لا يوجد فيه سورة باسم (الزواج) بينما لأهمية الطلاق وخطورته سمى إحدى سوره (بسورة الطلاق) في الجزء 28، ثانيا: أن القرآن لم يفصل كثيرا في أحكام الزواج بقدر تفصيله في أحكام الطلاق، فعلى سبيل المثال أن الشهود ذكروا بوضوح في حالة الطلاق ولم يذكروا بنفس الوضوح في حالة الزواج، ثالثا: إن الألفاظ التي استخدمها القرآن في الطلاق ألفاظ جمالية مثل (فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا) فتلاحظ هنا ثلاثة ألفاظ جمالية وهي: لفظ التمتع والتسريح والجميل، وكذلك الآية الأخرى (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) و(فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) فقدم الله الإمساك على الفراق؛ لأنه الأقرب إلى رضا الله تعالى.
وجمال كلمة (الإمساك) أنها لا تعنى فقط الاستبقاء، وإنما تفيد الحرص الشديد وعدم التفريط، ومن معاني (الإمساك) فتح صفحة جديدة في العلاقة الزوجية، واستمرار المحاولات للإمساك، وكذلك في كلمة (الإحسان) فيها جمال يفيد التعفف والتعالي عن كل ما هو غير حسن، فيكون (التسريح بإحسان) وليس التسريح بغضب أو تهديد أو انتقام أو ضرب أو ايقاف المال أو المحاربة بسلاح الأطفال أو تشويه السمعة أو الكذب والاحتيال وهو ما نعيشه اليوم في قضايا الطلاق، وهذه كلها مخالفة لجماليات الطلاق في القرآن والحكمة من تشريعه، فالقرآن وصف العلاقة الزوجية بـ (ميثاقا غليظا)، والوثاق هو الحبل الذي يربط فيه الأسير بشدة، وكأن القرآن يقول لنا اربطوا زواجكم بقوة ولا تفكوه أبدا وابذلوا كل الجهود من أجل استمرار الحياة الزوجية.
ولهذا أول سؤال أطرحه على كل من لديه الرغبة في الطلاق هو: هل بذلتم كل جهد للإصلاح؟ وهل صبرتم على تحديات الإصلاح أم لا؟ فإذا كان الجواب (نعم) فيكون هذا هو الوقت الصحيح للطلاق، وإذا كان الجواب (لا) وما زال في النفس خواطر أو تذبذب فيكون هذا هو الوقت الخاطئ للطلاق، ولو وقع الطلاق فسيندم من يسعى للطلاق بعد حين أو يعيش بتأنيب الضمير؛ لأنه لم يستنفد كافة الوسائل للإصلاح، رابعا: من يتأمل آيات الطلاق في القرآن فإنها ركزت على الزوجين فقط، ولم تذكر الأبناء وذلك لأن الأصل في العلاقة الزوجية هما الزوجان، فلا تصلح الأسرة أن تستمر إذا كانت العلاقة بين الزوجين عبارة عن حرب علنية دائمة وتستخدم فيها كافة الأسلحة المدمرة.
وفي نهاية المقال، نقول إن الجواب عن السؤال بأفضل وقت للطلاق، يعتمد على معنى الوقت، فلو كان تفسير معنى الوقت أي التوقيت باليوم والساعة، فإن أفضل وقت للطلاق يكون بعد طهر لم يجامع الزوج فيه زوجته، أما لو كان المقصود بالوقت طبيعة العلاقة بين الزوجين، فيكون أفضل وقت بعد استنفاد جميع وسائل الإصلاح.
– تم نشر هذه التدوينة في صحيفة اليوم
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.