الإسلام والحداثة

الإسلام الحديث هو إسلام نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) والمنهج الذي سار عليه صحابته رضوان الله عليهم. وقد كانت الفترة التي عاشها هؤلاء الناس المباركون فترة متميزة تجسدت فيها حقاً وصدقاً قيم الحرية، من حرية الفكر والديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/18 الساعة 02:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/18 الساعة 02:05 بتوقيت غرينتش

كانت مناطق مختلفة من العالم الإسلامي مسرح نقاشات حثيثة ومتكررة في الآونة الأخيرة، حول مواضيع مثيرة مثل "الإسلام الحديث" و"الإسلام والحداثة".

إن الموضوعية والواقع يثبتان أنه لو تفحص المرء عن كثب جوهر هذه المسائل المثيرة للنقاش، لتبيّن له بكل وضوح أن الإسلام، سواء ما تركه من إرث ثري عبر حقب التاريخ أو بالنسبة للمستقبل، يقدم للبشرية رؤية ومفهوماً حديثاً إلى أبعد حد، لنمط الحياة التي يوصي بها، ويطرح النموذج الاجتماعي المثالي، الكفيل بإسعاد جميع الناس دون استثناء، لكن من الجدير قبل مواصلة الموضوع، توضيح المعنى الحقيقي لتعبير "الإسلام الحديث" الذي غالباً ما يُساء فهمُه أو يشوّه من قِبَل بعض الناس.

أولاً وقبل كل شيء، "الإسلام الحديث" ليس معناه تكييف الإسلام ليتماشى مع عقلية ونمط الحياة السائدة في الوقت الراهن كيفما كان الحال، ولا تطويعه لينسجم مع مفهوم الأخلاق والقيم الاجتماعية المقبولة في اللحظة الراهنة، ولا يعني أيضاً انحراف الأخلاق عن جوهر دين الإسلام، و"الإسلام الحديث" ليس معناه على الإطلاق محاولة دمج مختلف المفاهيم الثقافية المنحطة، في الإسلام، والقيم الأخلاقية المنحرفة مثل المثلية، من خلال وصف هذه الانحرافات بالحديثة.

يُعَرّف الإسلام الحديث كونه الإسلام القائم على القرآن فقط، وخلوّه من الخرافات والتعصب، الإسلام الذي يعلم مفهوم الحداثة الحقيقي، البعيد في الكثير من الأحيان عن إدراك وفهم معظم الناس أو المجتمعات التي تعتقد أنها تسير عليه، الإسلام الحديث هو النظام المثالي الذي يمكننا مشاهدته على أرض الواقع، عندما يجسد الناس بإخلاص قيم وتعاليم القرآن، على النحو الأصح، إنه التطبيق الحقيقي للديمقراطية والحرية.

الإسلام الحديث هو إسلام نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) والمنهج الذي سار عليه صحابته رضوان الله عليهم. وقد كانت الفترة التي عاشها هؤلاء الناس المباركون فترة متميزة تجسدت فيها حقاً وصدقاً قيم الحرية، من حرية الفكر والديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان، وقد كانت حقبة متنورة ملأتها السعادة والرفاهية والصدق والإخلاص، وكان الإسلام بمعناه الحقيقي هو الأسلوب الأكثر راحة وسهولة ومتعة للعيش، ولو كُتب لرسول الله أن يعيش بيننا في زمننا هذا، فما من شك أنه سيكون أحدث رجل في عصرنا، وأروع مثال يجسد التدين الحديث.

مفهوم الأكثر حداثة ليس مفهوماً مادياً ضيقاً؛ لأن الحداثة تعني أن تكون أكثر استقامة، والنموذج الأكثر اقتداء من قبل الآخرين، والأكثر حباً وتقديراً في كل مجال من مجالات الحياة، مثل الأخلاق والتفكير الرصين، والثقافة والتفاهم والوعي والانتباه وعمق المشاعر والمواقف النبيلة والتصرفات والسلوك وسمو الشخصية والمظهر، والفن والتحلي بمشاعر الحب.

لقد أصبح من الواضح أن فهم الدين، وطريقة الفكر وأسلوب الحياة السائد في معظم أنحاء العالم الإسلامي اليوم، للأسف لا صلة له على الإطلاق بالنموذج المذكور أعلاه، بل أصبح كلما يذكر الإسلام، يتبادر مباشرة إلى ذهن الناس في العالم الغربي، ذلك النظام القاتم الذي يتعارض تماماً مع الحداثة والمساواة، وينفر من كل ما له علاقة بالجمال والفن والعلوم والحرية.

والسبب الوحيد وراء هذا التصور السلبي هو أن غالبية المسلمين لا يقتدون بالإسلام الحقيقي المذكور في القرآن الكريم، بل يتشبثون بدين "التعصب"، الذي يعج بالخرافات والممارسات السحيقة البعيدة كل البعد عن القرآن، ومع ذلك تُمارس تلك الخرافات والتقاليد البالية باسم الإسلام.

إن المعتقدات والأحكام والعادات والتقاليد التي تكرسها الثقافة القبلية السائدة في الفترات الماضية، تحدد الأساس الاجتماعي والثقافي والأخلاقي لهذا النظام المتعصب، وهذا النظام الخرافي، الذي يمكن أن يشار إليه أيضاً باسم "دين الأجداد"، الذي وردت بحقه إدانات شديدة في آيات كثيرة من القرآن الكريم، يعتبر للأسف الشديد "دين الإسلام" بين غالبية المسلمين، وأيضاً في العالم الغربي اليوم.

تُعتبر النساء أكبر ضحايا الثقافات القبلية العتيقة، من خلال تعرضهن لأشرس العقوبات وأصناف القمع والحظر والمصاعب الناجمة عن هذا التعصب، الذي يحط من قيمة النساء ويعتبرهن بمثابة كائنات من الدرجة الثانية، ويجعلهن عرضة للعنف المنزلي وحتى خارج البيت، فضلاً عن استبعادهن من الحياة الاجتماعية، واعتبارهن ملكاً لأزواجهن أو أسرهن، وإجبارهن على الزواج كمجرد سلعة يتداولها الرجال، وحرمانهن من العديد من الحقوق والحريات الإنسانية مثل التعليم والسفر، وتسفك دماؤهن فيما يعرف في بعض البلدان بجرائم الشرف، فكل ذلك ما هو في الواقع سوى نتاج عقلية منحرفة موروثة عن النظام القبلي الذي يهيمن عليه الذكور، والذي يتعارض كلياً مع القرآن، وهي في الواقع ممارسات وحشية غير إنسانية لا علاقة لها بالإسلام.

يميل الفهم المتعصب إلى الاستخفاف بحق النساء، ويتجاهل كلياً حقهن في السعادة والرفاهية والصحة، ويعتبر ذلك أمراً مقبولاً، في حين رفع رسول الله من مكانة المرأة وحافظ على خصوصيتها، وحرم بشدة تشبه المرأة بالرجال والرجال بالنساء، ونصح على الدوام النساء بحسن الاعتناء بأنفسهن، فكانت النساء المسلمات في ذلك الوقت يصبغن شعرهن ويستخدمن الماكياج، من مواد مثل الحناء والهيل.

إن السبب الوحيد الذي يحرم اليوم بعض المسلمين من الاستفادة من الفرص التي تمنحها الحضارة المعاصرة وما يتمخض عنها من جمال وأناقة العيش، يعود بالأساس إلى تخليهم عن القرآن ووقوعهم في قبضة التعصب، وإن عيش هؤلاء الناس وفقاً لتصور منحرف للإسلام، جعلهم يديرون ظهورهم للحداثة والحرية والازدهار وجودة الحياة وحرمانهم من فوائد العلوم ومتعة الفن والجمال والرسم والموسيقى والنحت، فأصبحوا عرضة لجميع أنواع الاستغلال والمعاناة والفقر والكوارث.

إن أبرز سبب وراء اعتبار العالم الغربي والقوى العالمية الإسلامَ تهديداً لثقافتهم وحضارتهم، يعود لانتشار النظام المتعصب المهيمن الذي يتعارض مع القرآن، والسبب وراء ظهور وتفشي مفاهيم مثل "إسلاموفوبيا"، يعود إلى الخوف والرعب من التطرف والتصورات والتصرفات البدائية والعنف، وهي أيضاً نتاج النظام المتعصب.

من شأن العودة إلى الجوهر الحقيقي للإسلام، أي الدين الخالص القائم على القرآن وحده، أن يشكل المفتاح ليس فقط لخلاص العالم الإسلامي وسلامه وسعادته وأمنه فحسب، بل أيضاً للعالم كله، وهذا يمكن تحقيقه فقط من خلال التعليم، ولتحقيق ذلك، من المهم تعزيز ودعم التعليم القائم على جوهر القرآن، الطريقة الوحيدة لوضع نهاية للتعصب والغضب والوحشية الناشئة عن التطرف.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد