سأتزوج لأكمل نصف راتبي

كان مفهوم المشاركة سيد الموقف، والعمل التكاملي بين الرجل والمرأة أساس الحياة، فإذا أخل أحد في واجباته أثّر ذلك سلباً على الجميع، ومع تنوع الثقافات والمعتقدات العقائدية والدينية، بقيت طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة قائمة على قاعدة الزواج، مع اختلاف في مفهوم الزواج وواجبات الزوج والزوجة بين المجتمعات، فبعضها حطّ من قدر الزواج والزوجة حتى جعلها بمثابة الإماء وربما كان العبيد في حقوق أفضل من حقوق الزوجة

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/15 الساعة 02:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/15 الساعة 02:38 بتوقيت غرينتش

سُنة الله في خلقه أن خلق الذكر والأنثى، وأنشأ علاقة بينهما تقوم على أساس التكامل والسكينة، ومنذ الخلق الأول كانت الحاجة الإنسانية والفطرة البشرية هي الوازع والمحرك الذي يقود هذه العلاقة، عندما طلب سيدنا آدم رفقةً له في الجنة فوهبه الله حواء، ومنذ ذلك اليوم أُعطي الرجل القوامة على النساء، وأخذ العرف أن الرجل مسؤول عن حياة المرأة، وعليه تدبر مأكلها ومسكنها، وتودد لها بتقديم ما أمكن من حيث يمكن، وتحسن الوضع المعيشي، مما أجبره على التواجد بعيداً عن مسكنه معظم النهار، وفي ظروف معيشية خطرة بين الحيوانات الضارية، في حين أخذت الفطرة المرأة إلى مساعدة الرجل في الأعمال التي لم يتمكن الرجال منها، فكان نصيب المرأة القيام بالأعمال المنزلية، وتربية الأطفال، ومع تطور الحياة البشرية، ودخول الزراعة والحصاد اختلفت المهام الفطرية بين الرجال والنساء، حيث بدأت النساء تشارك الرجال في الحقول وتزرع وتحصد مع الرجل، بل وفي بعض المجتمعات أُنيط هذا العمل بالكامل إلى النساء، وبقي الرجال لمهمات الصيد والأعمال الأكثر خطورةً من أجل البقاء.

كان مفهوم المشاركة سيد الموقف، والعمل التكاملي بين الرجل والمرأة أساس الحياة، فإذا أخل أحد في واجباته أثّر ذلك سلباً على الجميع، ومع تنوع الثقافات والمعتقدات العقائدية والدينية، بقيت طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة قائمة على قاعدة الزواج، مع اختلاف في مفهوم الزواج وواجبات الزوج والزوجة بين المجتمعات، فبعضها حطّ من قدر الزواج والزوجة حتى جعلها بمثابة الإماء وربما كان العبيد في حقوق أفضل من حقوق الزوجة، وفي بعض المجتمعات جعل من المرأة إلهاً يعبد من دون الله، أو يُعبد جزء من جسمها، ومع أن الأغلبية العظمى من المجتمعات احتقرت المرأة وجعلتها دون الرجل، وضيعت حقوقها الزوجية، وربما لم يجد التاريخ زماناً نالت فيه الزوجة حقوقها التي تستحق على مبدأ الفطرة التي خلق الإنسان عليها ألا وهي التكافل والتكامل سوى في العصر الإسلامي الأول، بوجود النبوة والصحابة والفوج الأول من التابعين، ومع أن المرأة في الإسلام لم تخسر كثيراً مع الزمن إلا أن حقوقها بقيت مصونة شرعا، وإنما تنازلت عنها حياء تارة، ورضا للعادات والتقاليد تارة أخرى.

ومع الوصول إلى العصر الحديث عصر الحريات، عصر التقدم العلمي والتكنولوجيا، عصر أجمع به الجميع على حق المرأة بالمساواة مع الرجل، وأن لها نفس الحقوق وعليها نفس الواجبات، عاشت المرأة أسوأ مراحل الاضطهاد، من حيث لا تعلم، وأصبح تنازلها عن حقوقها ليس حرجاً أو تلبيةً لعادات ما، فمع تقدم العلم والتكنولوجيا، والتطور الصناعي جعل الأعمال أكثر سهولة، وأمكن المرأة من منافسة الرجل في الأعمال التي كانت حكراً على الرجال، بما في ذلك الصيد والعمل في المناجم والبناء والصيانة، ومجالات كثيرة، لم تقد هذه الوفرة من العمالة إلى تحسين حياة المرأة كما كان يتوقع، دخول المرأة إلى هذه المجالات جعل الرواتب أقل من المستحق، وهذا ليس لوجود المرأة تحديداً، وإنما لوجود وفرة في الأيدي العاملة، والذي بتأكيد كان دخول المرأة سبباً مهماً ورئيسي بها، فارتفعت نسبة البطالة بين الرجال والنساء على السواء، وأصبح راتب الرجل لا يكفي مصروف البيت، بل لا يكفي متطلبات الحياة الطبيعية، مما تسبب في عزوف الشباب عن الزواج، وتأخر سن الزواج، ورغم الحق في المساواة بين الرجل والمرأة فإن الرجل بقي مطلوب منه الكثير من الطلبات من أجل الزواج من مهر الذي هو في الغالب مرتفع بل مرتفع جداً، وتجهيز مسكن مناسب والعديد من المتطلبات التي أرهقت الشباب.

ومن هنا عدنا إلى اضطهاد المرأة من جديد، فأصبح شرطاً رأسياً أن تكون الفتاة المراد الزواج بها من العاملات، ويا حبذا لو كانت مدرسة، أو ممرضة، حتى تتمكن من العودة إلى المنزل قبل الرجل وتقوم بأعمال المنزل فوق عملها خارج البيت، وأضيف إلى واجباتها واجب إضافي، وأصبح شرطاً من شروط الزواج، يرى العديد أن المساواة التي حملها المفهوم الجديد بدلاً من التكاملية أفضل للمرأة ولحقوقها، ولا نعلم كيف حمل هذا المفهوم الأفضلية إلى المرأة، وخصوصاً أن معاش المرأة أصبح يحدد هل ستتزوج أم لا، أم أنها ستتأخر في الزواج فقط، وكيف وقد أصبح ما تجنيه المرأة سبب الخلافات الرئيسية بين الأزواج والسبب الأول للطلاق.

قد يظن من أن هذه التدوينة أنها تحمل في طياتها العنصرية ضد العمل المرأة، والدعوة إلى منعها من العمل، وبذلك تقل الأيدي العاملة، ويصبح النقص في الأيدي العاملة سبباً في إعادة رسم الراتب، لا يعتبر هذا مطلباً صحيحاً، فبعد عدة سنوات ستختفي العديد من الحرف والوظائف وستكون الآلة البديل الوحيد، ولن يعود البحث عن زوجة لتكميل الراتب مجدياً، فقد لا يكون هناك راتب لتجد مَن يكمله، وفي هذه النظرة التشاؤمية إلى المستقبل نتوجه إلى الشباب والفتيات الذين حالفهم الحظ ومن هم مرشحون لزواج، لا تجعلوا المساواة تقف في وجهكم، وتقبل نظرية التكامل على الأقل في الراتب من أجل حياة كريمة، ولا تجعل من عمل الزوجة وما تجنيه من مال سبباً في الخلاف والطلاق.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد