التشبيح الفكري”: “شبيحة” عدنان إبراهيم مثالاً”

انتهى سرد بعض أقوالهم، وقد يقول البعض إنني أبالغ في هذا الكلام أو أن ما أوردته هو حالات فردية لبضعة أشخاص فقط. وأنا هنا أدعو كل شخص يعترض على هذا الكلام أن يعود إلى وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لعدنان إبراهيم أو غيره من الشيوخ أو المفكرين، وأن يقرأ التعليقات التي تضفي عليهم هالات القدسية وتصل بهم إلى مراتب الأنبياء والعظماء الذين لا يتكررون بالتاريخ.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/11 الساعة 05:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/11 الساعة 05:31 بتوقيت غرينتش

لن أتحدث هنا عن عدنان إبراهيم وأسلوبه الذي أصبح معروفاً بانتقاء المواضيع المثيرة للجدل والجالبة للشهرة، سواءً عن حق أو عن باطل، رغم أن الكثير من هذه المواضيع طُرح قديماً وردَّ عليها العلماء والمتخصصون حتى قبل ظهور عدنان إبراهيم وأمثاله.

ولن أتحدث هنا أيضاً عن أسلوب الرجل الخطابي المعتمد على الإبهار السمعي قبل إلقاء كلماته في آذان مستمعيه، الذين يغلب عليهم الشباب والعاطفة؛ بل أقصد هنا الحديث عن فئات معينة من جمهور عدنان إبراهيم وغيره ممن يقدسون الأشخاص قبل الأفكار تقديساً أعمى والذين يصحّ أن يُطلق عليهم لفظة "الشبيحة الفكريين"، ومن نافل القول أنني لا أقصد التعميم هنا.

في البداية، فإن كلمة شبيحة اشتُهرت بُعيد الثورة السورية التي انطلقت عام 2011، وتطلق هذه اللفظة على الأشخاص الذين يحملون العصيّ والهراوات والسكاكين وحتى الأسلحة النارية ليقوموا بمهمات قذرةٍ موكلة إليهم من قِبل السلطة الحاكمة، والهدف من هذه المهمات إرعاب الناس وإرهابهم ليتوقفوا عن التظاهر والاحتجاج على السلطة أو الرئيس.

إذاً، الشبيحة أقرب ما يكونون إلى "مخلب قطٍ" للسلطة الحاكمة، يتم اختيارهم من قِبلها على أساس سجلهم الأسود الحافل بالجرائم والسلبطة والتنمُّر على البسطاء، ويُمثل هؤلاء الشبيحة عادةً قاع المجتمع، أو كما يطلق عليه الكاتب السوري ممدوح عدوان "العالم السفلي" من المجتمع.

لا يتوقف التشبيح الذي تمارسه السلطة على التشبيح المادي بالضرب والركل والرفس للمتظاهرين والعُزل من قِبل هؤلاء الشبيحة؛ بل هناك مستوىً آخر من التشبيح، وهو "التشبيح الفكري"؛ حيث تنشر السلطة آلاف "الشبيحة الإلكترونيين" الذين تُوكل إليهم مهمات متنوعة في الشبكة العنكبوتية؛ فمنها إطلاق الشتائم والسباب ضد الأشخاص المنتقدين أو المعترضين على السلطة أو الحاكم، ومنها إطلاق عبارات الثناء وإضفاء هالاتٍ من القدسية والتقدير على الحاكم "المُعظم"، ومنها أيضاً نشر الإشاعات والأخبار الكاذبة بين الناس لجس نبض الشعب حول أمرٍ معين تريد السلطة معرفته، وغير هذا من مهمات "التشبيح الإلكتروني" مما يطول ذكره.

الغريب في الأمر أن "التشبيح الفكري" لم يتوقف عند ما تفعله الحكومات المستبدة أو الحكام الطغاة؛ بل انتقلت هذه العدوى السيئة إلى الجمهور المتابع لبعض الشيوخ والمفكرين والعلماء والكتاب على اختلاف آرائهم ومعتقداتهم، ومنهم عدنان إبراهيم، الذي أضرب مثالاً بفئات معينة من جمهوره هنا، فيكفينا أن نُطالع وسائل التواصل الاجتماعي لتقابلنا عبارات "التشبيح الفكري "من قبيل:

"من أنت لتتحدث عن المفكر العظيم عدنان إبراهيم؟".
"من أنت لتنتقد العلامَة الفهَّامة، بحر العلوم وأعجوبة الزمان عدنان إبراهيم؟".
"والله، لولا عدنان إبراهيم لألحد الناس وانتهى دين الإسلام".
"عدنان إبراهيم هو أفضل رجل في هذا العصر، وهو ثاني أفضل رجل في تاريخ الأمة الإسلامية بعد النبي صلى الله عليه وسلم".
"إن كان من عالم أو مفكر في هذا الزمان فهو عدنان إبراهيم، وأما باقي شيوخ ومفكري الأمة فهم مخرفون"!

انتهى سرد بعض أقوالهم، وقد يقول البعض إنني أبالغ في هذا الكلام أو أن ما أوردته هو حالات فردية لبضعة أشخاص فقط. وأنا هنا أدعو كل شخص يعترض على هذا الكلام أن يعود إلى وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لعدنان إبراهيم أو غيره من الشيوخ أو المفكرين، وأن يقرأ التعليقات التي تضفي عليهم هالات القدسية وتصل بهم إلى مراتب الأنبياء والعظماء الذين لا يتكررون بالتاريخ.

وهذه التعليقات موجودة بالعشرات والمئات، وليست مخفية ولا تعبر عن حالات فردية؛ بل هي أشبه ما تكون بالحالة العامة للمتابعين. أما الحالات الفردية، فهي تنطبق على التعليقات التي تنتقد أو تترك مجالاً للتفكير فيما قاله عدنان إبراهيم وغيره.

تتعدد أسباب "التشبيح الفكري" والتقديس للأشخاص؛ فمنها حالة "الأحادية الفكرية" للشخص "المُشبٍح"، فهو لا يسمع إلا لهذا الشيخ أو المفكر فقط، وينقطع عن متابعة بقية الشيوخ أو المفكرين؛ إيماناً منه بأن هذا الشيخ أو المفكر لا يخطئ أبداً ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وهناك سببٌ آخر، باعتقادي هو الأهم، أننا كبشر يوجد فينا نزعة لتقديس الأشخاص من علماء ومفكرين ورؤساء وشخصيات عامة؛ بل وحتى أشخاص صالحين؛ ربما لأن أغلب الناس لا يستطيعون الوصول إلى ما وصل إليه هؤلاء.

والمؤكد أن هذه النزعة موجودة منذ قديم الزمان في البشر؛ فودٌّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر المذكورون في القرآن على أنهم أصنام وتماثيل عبدتها بعض الأقوام- هم عبارة عن أسماء لرجالٍ صالحين قام أقوامهم بتصويرهم على هيئة أصنام لعبادتهم بعد موتهم تقديساً لهم، وجاء هذا في رواية عن ابن عباس -رضي الله عنه- في البخاري.

جاء في البخاري أيضاً عن ابن عباس أنه سمع عمر -رضي الله عنه- يقول على المنبر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله".

يظهر من هذا الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أغلق باب المدح بغير ما جاء به الشرع؛ خوفاً من أن ينتهي الأمر إلى الغلو بتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم والوصول بالمخلوق إلى مرتبة الخالق في النهاية.

وهنا السؤال: متى سيفعل هؤلاء الدعاة والشيوخ والمفكرون -والذين منهم عدنان إبراهيم بالطبع والذي لا يكف خلال دروسه ومحاضراته عن ترديد الكرامات والمعجزات التي تحصل معه والتي لا داعي لذكرها أصلاً- أقول: متى سيفعل هؤلاء مثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه؟ ويقولون لأتباعهم ومتابعيهم الذي يُكثرون من إطرائهم: أن كفى إطراءً ومدحاً لنا، كفى إجلالاً وتعظيماً لشخوصنا، فلسنا أنبياء ولا قديسين، وما نحن إلا بشرٌ مما خلق الله، نصيب أحياناً ونخطئ أحياناً أخرى.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد