الرموز الإسلامية “الكيوت”.. ماذا لو انقطع الإنترنت من هواتفهم؟!

بالنسبة لي فإن هنالك الملايين من المعارك الصغيرة لتحقيق مكاسب تافهة أهم بكثير ممن يسوّقون أنفسهم على أنهم يعيشون الحياة التي ينبغي علينا أن نعيشها، فكونك ولدتَ وفي فمك معلقة من ذهب وأمٍّ تدهن لك ساندويتش "اللافشكري" - في حين أن معظمنا لم يسمع بها فضلاً عن تذوّقها - وقد أحيطت حياتك بظروف مادية مريحية تسمح لكَ/لكِ بالسفر حول العالم وارتداء ملابس تصممها/ينها بنفسك، فيصبح العمل سبباً لتحقيق الذات والمتعة بينما هو لمعظمنا نحتاً في الصخر من أجل توفير لقمة العيش.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/11 الساعة 08:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/11 الساعة 08:30 بتوقيت غرينتش

منشوراتي المتقطعة والقليلة على الفيسبوك لا تعني بالضرورة عدم وجود شيء لقوله، أو انعدام الإنجازات، ففي الشهر الماضي حققت أحد أحلام حياتي (لن أخبركم به؛ لأنه حلم شخصي لا يعنيكم).

دائماً ما كنت أفسر حب الظهور وتسويق الذات والإنجازات على أنها عقدة نقص وعيب في الشخص، لا أعلم كيف يصبح الإنجاز الوظيفي أو الشخصي أمراً يستحق كلّ هذا الاحتفاء؟

فإذا كانت تجربتك تجربةً شخصيةً تهدف بها إلى توسيع مداركك وعيش حياة وسيعة وعريضة، ألا يتناقض هذا مع محاولتك إجبارنا على مشاركتك إياها؟

لو كان الأمر لنفسك لما كنت تشعر بهذه الحاجة الملحّة لمشاركتها. أعتقد أننا نعيش هذه الأيام في زمنٍ أصبح فيه مشاركة الأشياء السبب الأساسي لفعلها (أنا أعلم أهميّة الحاجة إلى حصولنا على قدرٍ من الاهتمام.. الخ، لكن هنالك فارق شاسع بين الحاجة الأساسية والمرض).

فكرة "التجربة" ذاتها تستحق الوقوف عندها ونقدها، إن "تجربة" الطفل الذي يقوم برشق الحجارة أوسع بكثير من عدد الكيلومترات التي يغطيها مَن يقوم بالسفر حول العالم.

بالنسبة لي فإن هنالك الملايين من المعارك الصغيرة لتحقيق مكاسب تافهة أهم بكثير ممن يسوّقون أنفسهم على أنهم يعيشون الحياة التي ينبغي علينا أن نعيشها، فكونك ولدتَ وفي فمك معلقة من ذهب وأمٍّ تدهن لك ساندويتش "اللافشكري" – في حين أن معظمنا لم يسمع بها فضلاً عن تذوّقها – وقد أحيطت حياتك بظروف مادية مريحية تسمح لكَ/لكِ بالسفر حول العالم وارتداء ملابس تصممها/ينها بنفسك، فيصبح العمل سبباً لتحقيق الذات والمتعة بينما هو لمعظمنا نحتاً في الصخر من أجل توفير لقمة العيش.

كلّ هذا ليس سوى انفصال عن الواقع المعاش، ولا ينظر له بانبهار سوى الأحمق من يجهل واقعه، فكل محاولات "التنمية البشرية" لفرض نمط حياة عابرة للجغرافيا على الناس متناسيةً الظروف الاقتصادية والاجتماعية المختلفة من شخصٍ إلى آخر ليست سوى احتيال.

تحوّل تسويق الذات إلى "بزنس"، لا أعرف كيف يستطيع شخص ما أن ينشر مديح شخصٍ له، بينما أنا إذا قام أحدهم بمدحي أشعر وكأنني قد تعرقلت بربّاط حذائي.

انظروا إلى واقعكم وما تحبّون أن تفعلوه حقّاً، بعيداً عمّا يخبركم هؤلاء "الرموز الإسلامية الشبابية الكيوت" بما يجب أن تحبوه، وتذكروا بأنه لا يمكن الحصول على تلك الحياة بدون تقديم تنازلات عن كلّ الأمور المهمة، فالوقوف والمحاربة من أجل مبدأ حقيقي يعني دفع ثمن في المقابل، وهذا الأمر يتعارض مع نمط الحياة الذي يروجون له؛ نجاحاً اقتصادياً بعيداً عن كلّ المشاكل.

المبادئ التي تقفون لأجلها، النجاحات البسيطة التي تقومون بها، والتي لا يدري عنها أحد هي ما سوف يتبقّى لكم، أمّا هُم، لا أعلم ما الذي سيفعلونه حقاً إذا انقطع الإنترنت عن هواتفهم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد