في زمن العظماء

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/06 الساعة 02:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/06 الساعة 02:57 بتوقيت غرينتش

دعونا نلقِ نظرةً على هذا الزمن ونأخذ جولة وسط تلك المواقف الجليلة التي لا تصدر إلا من عظماء؛ أولئك الرجال الذين وضعوا بصماتهم في التاريخ، وما أحسنها من بصمات! وكانوا سبباً في تغيير مجرى التاريخ وتحديد مصير أمة بأكملها؛ لقد امتلأت قلوبهم بخشية الله وحبه وكان الرسول الله -عليه الصلاة والسلام- قدوتهم ومرشدهم؛ لقد أدركوا معاني القرآن الكريم حقاً فانشغلت قلوبهم وعقولهم بعبادة الله وجاهدوا لينالوا رضا الله وحبه، فانعكس هذا على أخلاقهم وتصرفاتهم ومواقفهم.

هذا الزمن الذي امتلأ بتضحيات لا حصر لها؛ من أجل نشر الإسلام وتعاليمه في أرجاء العالم، فقد سعوا لإنقاذ الناس من الظلام الذي كانوا فيه، وكل هذا الفضل يرجع أولاً وآخراً إلى رسول الله وخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم ومنقذ البشرية من الكفر والهلاك.

"أما بعد.. أيها الناس، فإني قد وُلِّيت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمَّهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم".

دقت هذه الكلمات آذان المسلمين، بما فيها من هيبة خارجة، من فم رفيق وصديق رسول الله عليه الصلاة والسلام، سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، بعدما تولى الخلافة. هذه الكلمات التي تحمل في طياتها الكثير من الأسس التي على أساسها تقوم الأمة أو تنجرف إلى الضياع.

لنتدبر هذه الكلمات ونجد ما فيها من تواضع وعدل ونصيحة، ولنركز على هذه الجملة العظيمة التي تبين ما سبب حالة أمتنا الآن "ولا تشيع الفاحشة قط إلا عمهم الله بالبلاء"، ولا نغض البصر عن غياب العدل عن أوطاننا وزيادة الظالم ظلماً وتغير مفهوم العدل لنا، فأصبح كالأُمنية التي يصعب الظفر بها؛ نحن الآن في انحدار والله -وحده- يعلم كيف سيصبح حال أمتنا مع مرور الوقت.

لنطوف قليلاً في زمن اختفى فيه الفقر والجوع ولم يصبح هناك فقير، زمن قد يبدو غريباً علينا الآن؛ لما نراه من فقر وجوع تفشَّيان في أمتنا كالوباء؛ إنه زمن عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- الملقب بخامس الخلفاء الراشدين؛ بسبب سيره على نهج رسول الله وأصحابه.

وهناك موقف لخص فيها عمر معنى أن تحكم أمةً ومسؤولية الحاكم تجاه أمته.. "قالت فاطمة زوجة عمر بن عبد العزيز: دخلت يوماً عليه وهو جالس في مصلاه واضعاً خده على يده ودموعه تسيل على خديه، فقلت: ما لك يا عمر؟ فقال: ويحك يا فاطمة! قد وُلّيت من هذه الأمة ما وُلِّيت، فتفكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود، واليتيم المكسور، والأرملة الوحيدة والمظلوم المقهور، والغريب والأسير، والشيخ الكبير، وذي العيال الكثير والمال القليل، وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد، فعلمت أن ربي -عز وجل- سيسألني عنهم يوم القيامة، وأن خصمي دونهم محمد صلى الله عليه وسلم؛ فخشيت ألا يثبت لي حجة عند خصومته فرحمت نفسي فبكيت".

هذه الكلمات تدعو للتعجب من هذا الإيمان والخوف من الله، وفي الوقت نفسه تدعو للتحسر على حال حكامنا اليوم، وتجعلنا نسأل: هل اختفي الإسلام ومبادئه من قلوب البعض؟ هل القيامة اقترب معادها؟ كيف سيكون حساب ذوي القصور والحكم والسلطة والناس جياع والحقوق مهدورة؟

لننتقل الآن إلى زمن الفاروق رضي الله عنه، هذا الصحابي الذي كان يخشاه أعداء الله؛ لما عُرف عنه من شجاعة وغيرة علي الإسلام وعشق الجهاد، لننظر إلى جانب عمر -رضي الله عنه- الإنساني والرحيم على المسلمين وقلبه الرقيق واتقائه الله؛ عن ابن عمر قال: قدمت رفقة من التجار فنزلوا المصلى، فقال عمر لعبد الرحمن: هل لك أن تحرسهم الليلة من السرقة. فباتا يحرسانهم ويصليان ما كتب الله لهما، فسمع عمر بكاء صبي فتوجه نحوه، فقال لأمه: اتقي الله وأحسني إلى صبيك.

ثم عاد إلى مكانه، فسمع بكاءه، فعاد إلى أمه فقال لها مثل ذلك، ثم عاد إلى مكانه، فلما كان من آخر الليل سمع بكاءه، فأتى أمه فقال لها: ويحك! إني لأراك أمَّ سوءٍ، ما لي أرى ابنك لا يقر منذ الليلة. قالت: يا عبد الله، قد أبرمتني منذ الليلة، إني أريغه عن الفطام فيأبى. قال: ولم؟ قالت: لأن عمر لا يفرض للفطم. قال: وكم له؟ قالت: كذا وكذا شهراً قال: ويحك! لا تعجليه.

فصلى الفجر وما يستبين الناس قراءته من غلبة البكاء، فلما سلَّم، قال: يا بؤساً لعمر كم قتل من أولاد المسلمين! ثم أمر منادياً فنادى: ألا تعجلوا صبيانكم عن الفطام، فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام، وكتب بذلك إلى الآفاق: أن يفرض لكل مولود في الإسلام.

عجباً لحال أمتنا الآن وأطفالنا يُقتلون ويُطردون من ديارهم ولم تدمع عين عليهم ولم تتحرك قدم لنجدتهم، فأصبحنا أذلاء وجذورنا عظيمة، ولم نستحي قط من هؤلاء الذين ضحوا لتصل رسالة الإسلام وتعاليمه إلينا، وفي مطلعهم رسول الله عليه الصلاة والسلام.

عذراً، فالإسلام باقٍ لا محالة لمن يبحث عنه ويتدبر في تعاليمه وعظمته، وقلوبنا هي التي أصبحت تحت الأنقاض. نأسف على التفريط في تاريخنا وقوتنا؛ نحن الآن في زمنٍ الظالم هو أنقى صورة للعدل، والفاسد هو أمثل صورة للاستقامة، والظُّلمة أصبحت نوراً، فلنتساءل: هل نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم حقاً؟!

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد