في ذكرى رحيل شاعر الجرح الفلسطيني محمود درويش

عندما امتزجت ثورة الشعب بثورة الكلمة، تمخضت فلسطين فأنجبت قريةُ البروة، قرب ساحل عكا، الصوتَ الحر: محمود درويش.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/06 الساعة 03:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/06 الساعة 03:08 بتوقيت غرينتش

إنه صاحب قصيدة "أحن إلى خبز أمي"، تلك السطور التي حركت مشاعر الملايين ودمعت لها عيون المشتاقين إلى أحضان أمهاتهم، والمغتربين، والمكتوين بنار الفقد.

هو غلبه الشوق إلى قهوة ولمسة أمه، ونحن وفي ذكرى وفاته نحنُّ إلى صاحب الموقف الوطني الأبيّ.

عن محمود درويش سأحدثكم…

عندما امتزجت ثورة الشعب بثورة الكلمة، تمخضت فلسطين فأنجبت قريةُ البروة، قرب ساحل عكا، الصوتَ الحر: محمود درويش.

يعتبر محمود درويش من أبرز وأهم الشعراء وأدباء المقاومة، فلسطيني الجنسية، عربي الانتماء، إنساني الوجدان صدح بأعلى صوته: سجِّل أنا عربي.

شغل مناصب عديدة بمؤسسات النشر والدراسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، كان رئيساً لرابطة الكتّاب والصحفيين الفلسطينيين، أسس بعد ذلك مجلة "الكرمل" الثقافية ببيروت عام 1981.

عام 1988، انتُخب عضواً باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ليصير بعد ذلك مستشاراً للرئيس الراحل ياسر عرفات.

لم يسلم من بطش العدو، اعتُقل مراراً وتكراراً بتهم متعلقة بمواقفه وتصريحاته السياسية. جال العالم متمسكاً بقلمه الحر الطليق، في شعره امتزج الحب بالوطن بالعنفوان بالحبيبة بالإنسانية.. وجدت قصائده طريقها نحو جمهورها عبر أزيد من 22 لغة، لتستحق بهذا التقدير والتتويج من العرب وغير العرب.

فهو الحاصل على جائزة لوتس عام 1969، وجائزة البحر الأبيض المتوسط عام 1980، ودروع الثورة الفلسطينية عام 1981، ولوحة أوروبا للشعر عام 1981، وجائزة ابن سينا ولينين في الاتحاد السوفييتي عام 1982 و1983، وجائزة الأمير كلاوس (هولندا) عام 2004، وجائزة العويس الثقافية مقاسمة مع الشاعر السوري أدونيس عام 2004.

في عام 1994، عاد درويش إلى فلسطين ليحط رحاله برام الله، بعد أن عاش تائهاً متنقلاً بين القاهرة وسوريا وتونس وقبرص وباريس.

رحل شاعر الوطن إلى دار البقاء في 9 أغسطس/آب عام 2008، بالولايات المتحدة إثر خضوعه لعملية القلب المفتوح بمركز تكساس الطبي في هيوستن، ودفن في 13 أغسطس/آب بمدينة رام الله في قصر رام الله الثقافي.

رحل درويش، ولم يخطئ في الذهاب.. عبَّر عن خوفه في أحد مؤلفاته من فقداننا مستقبلاً الإنسانية، وها نحن نعيش في عصر انعدمت فيه جل معانيها، في عصر هزيل اختلط فيه الربيع العربي بالربوع الدموية، في عصر تغتال فيه الأحلام وتسلب من مواطنيه الحريات والكرامة.

غلبنا الظلم، وعصف بالأمة العربية كل أنواع الفساد والقهر والتشتت.. درويش غُلب مرتين؛ مرة على يد الكيان الغاصب، ومرة على يد العروبة والتخلف الذي اجتاح مجتمعاتنا.

لكن الموت عاجز عن قتل شعرك يا درويش، ما زلت -وستظل- الغائب الحاضر، مثلك يرحلون جسداً، لكن أثر ما خطت أناملهم يظل باقياً، فالشاعر لا يموت أبداً، فكيف بشاعر مثلك، شاعر ظل يتغنى بحب وطنه وينقل معاناة شعبه أينما حلَّ.

لا يمكنني أن أختم ما كتبته دون أن أنتهز الفرصة وأعترف بأن محمود درويش كان -وما زال- البوصلة الشعرية لقلبي.. حينما كنت مولعة بأشعار أحمد شوقي، وأحمد مطر، ونزار قباني، خفق وتري الأدبي لدرويش، ليضيف إلى عشقي للغة الضاد عشقاً آخر من نوع خاص، فرمزية شعره الصارخة وطابعه الحديث الشائق أسراني منذ أول ديوان قرأته له: ديوان دار العودة، حروفه استوقفتني وكان يغلبني الفضول لسؤاله: من أين تأتي بهذا الجمال في صياغة الجمل وتركيب المعاني؟

درويش، يا صاحب رحلة الكلمة الحرة الطليقة، يا من جعل من روحه قيثارة سماوية لوجعنا الإنساني.. ما من كلمات ستكفي لرثائك في ذكرى وفاتك، فلتبقَ روحك راقدة بسلام، وليظلَّ نجمك ساطعاً ووهجك حاضراً داخل حروفك التي ستظل خالدة.

"ولنا أحلامنا الصغرى
كأن نصحو من النوم
معافين من الخيبة
لم نحلم بأشياء عصية
نحن أحياء وباقون
وللحلم بقية…"

من آخر ديوان شعري لمحمود درويش تحت عنوان: "لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي".

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد