لا تحاول أن تضع النور أمام شخص أعمى لن يرى الضوء مهما اشتدت قوته وازداد سطوعاً، فالعتمة هي العدسة الوحيدة التي يرى من خلالها، أنت لا تستطيع أن تضع اللوم عليه، فهذا سيكون الظلم بعينه.
ستجده يسألك كيف تبدو الحياة خارج العتمة التي لا يعرف سواها، لن تستطيع أن تصف لهُ جمال أشعة الشمس وقت الشروق ولا زُرقة السماء وأمواج البحر وألوان الشجر!
ولا تجرب أن تصرخ بأعلى صوتك في مسامع شخص أصم لن يلتفت إليك ولا يهمه قولك مهما ارتفع صوتك وصدح، الأمر مشابه تماماً لحال بعض الأمم والشعوب لا تحاول ولا تجرب إطلاقاً أن تشرح لهم الصواب من الخطأ.. وتخرجهم من الظلال إلى الصراط المستقيم، وتوضح لهُم معنى الخير والشر، التقوى والتظاهر بالتقوى دون جدوى، لا تحاول مع هذهِ الأمم فعقولهم مغلقة تماماً، لا تستوعب ما حولها لا عين ترى ولا أذنٌ تسمع.
هذهِ العقول مُقفلة، والمفتاح الذي يفك عنها قيودها فَقَد في إحدى الصحاري منذ زمن بعيد جداً، فأصبح الناس يتكاثرون ويتطورون بالشكل الظاهري فقط.
أصبحوا ينجبون أطفالاً يحملون ذات المبادئ والأسس بأفكار مقفلة لا يملك أحد مفتاحاً للوصول إليها.
لإشعال فتيل النور في عتمتها لتشرع نافذة من المعرفة تطل على العالم بما فيه من عِلم، وفن، وتجارب، وقصص، ومغامرات، واختراعات.. وحياة.
سيحرمون من كل هذهِ المتعة التي تحاكي حواس الإنسان الخمس، ولا تستغل أعظم نِعمة وهبها الله تعالى لعباده، وهو العقل، هذهِ المنظومة المعقّدة بالنسبة لقدرات البشر على استيعاب كيفية عمله!
وفي ذات الوقت هو قادرٌ يبدع ويبتكر وينتج ويتغير، واستطاع إيجاد كل الوسائل التي لا حَصر لها لحياة أفضل وأوجد أشكالاً متعددة للرفاهية والراحة لحياة أسهل، وأصبحنا لا نستطيع الاستغناء عنها أو العيش من دونها.
في المقابل هو ذاتهُ عقل الإنسان وأفكاره من توصل واخترع وسائل الحروب والدمار وساهم باستثمار طاقات الطبيعة في خراب الأرض وقتل البشر!
يملك الإنسان من القدرات ما تجعلهُ يحقق المستحيل، وهذا من نشهدهُ ونلمسهُ في أيامنا وزماننا هذا.
كل الذين كانوا يحلمون البارحة بهذهِ التقنيات والاختراعات والعلاجات التي تشفي الأمراض المستعصية أصبحت موجودة ومتاحة للجميع؛ لأن الإنسان استطاع أن يستثمر العقل لفائدة البشرية، ولا يكتفي بما وجد عليه، بل راح يفتش يبحث ويغامر ويستكشف ويحقق أهدافاً بدل الهدف.
التحرر من عبودية الفِكر يحتاج إلى جهد مكثف منك أنت تحديداً، وقرار لا رجعة فيه من الشخص بذاته، فأنت هو الوحيد القادر على كسر ذلك القفل الذي ورثتهُ منذ زمن بعيد مضى، وسوف تورثهُ لأجيال أخرى إن لم تتخلص منهُ، ومن حكمه الاستبدادي في أقرب وقت ممكن لتقلع بإرادتك صوب أيام أجمل وتجارب أفضل.
من يجرب التحرر من سلاسل الماضي والعبودية العمياء الخالية من أي حقيقة تذكر سوف يرى الحياة بشكل مختلف تماماً، الحياة داخل الزنزانة مختلفة عن الحياة خارجها.
سوف يتعرف على العالم بشكل أجمل مما يرسمه اليائسون والبائسون من حولهُ؛ لأن بقاء الناس على ما هم عليه مبرمجين لا مُخيرين يزيد من هؤلاء الذين يحاربون لبقاء حال العقل والمجتمع على ما هو عليهِ فهذهِ تجارتهم، ومن هؤلاء المُستسلمين لمرارة الواقع يأتي قوتهم وعيشهم.
بمقدورك تجربة ذلك إن قررت أن تغادر سجن أفكارك، وتستطيع العودة إليه في أي وقت إن لم يعجبك الأمر أيضاً، واثقة أيضاً بأنك لن تعود.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)، رواه مسلم.
وتذكر جيداً بأن تحرر عقلك وفكرك مقتصراً على العلوم الكونية التي تجعلك خير خليفة في الأرض.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.