الهوية الشخصية في عصر الاستهلاك

يأخذ الفرد شخصيته من المنتجات، وليس فقط مظهره، فهو يحاول أن يقتني ذلك المنتج الذي ظهر في دعايته ممثل أو محترف كرة قدم شهير، ويقلد تسريحة شعره، ويتعدى الأمر لتبني حركاته وتقليد نمط شخصيته وسلوكه بشكل مبتذل.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/04 الساعة 05:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/04 الساعة 05:35 بتوقيت غرينتش

في عصر التطورات السريعة والتكنولوجيا الفائقة، التي تعرض وتسوّق ما تعتبره الشخصية المفضلة، السلوك المفضل، الشكل والمظهر المفضل، وحتى الجمال المفضل.

لكنه كذلك من نظرة استهلاكية نفعية لا تهتم أبداً بالأصالة ولا بالخصوصية الثقافية، والمهمة في نتيجتها النهاية أن يصبح الإنسان كائن عالمي سمته الشخصية الرئيسية الاستهلاك، كائن انتماؤه للشركات متعددة الجنسيات وهويته المنتجات.

حتى وصل الأمر إلى القول إن نوع تليفونك يحدد ماهيتك!

هذه المنتجات لا تقتصر على السلع فقط، بل تدخل لتشمل الخدمات كالاتصالات وشبكات التواصل والترفيه كالسينما والدراما والموسيقى وغيرها.

يأخذ الفرد شخصيته من المنتجات، وليس فقط مظهره، فهو يحاول أن يقتني ذلك المنتج الذي ظهر في دعايته ممثل أو محترف كرة قدم شهير، ويقلد تسريحة شعره، ويتعدى الأمر لتبني حركاته وتقليد نمط شخصيته وسلوكه بشكل مبتذل.

ذلك الفنان أو النجم تم تحويله إلى سلعة نموذجية في سبيل تسويق سلع أخرى، لجذب معجب يبحث عن نفسه وذاته وهويته وسط الصخب الاستهلاكي الذي يلاحقه أينما ذهب وحل.

يحدث ذلك في ظل انحسار لقيم الأصالة والهوية الثقافية لمجتمعه، الذي فشل في احتوائه وإخباره "من يكون"؟

هذا التقليد لا يمس الإنسان العادي فقط، بل والمثقف الذي يشده الآخر المبهر؛ ليبحث عن نفسه ليس في الاستهلاك السلعي بل في أشياء يراها أكثر أهمية.

ربما في الروايات الأدبية أو في المسرحيات أو معارض الفن التشكيلي السريالي أو في النظريات السياسية والأيدولوجية، يتبناها حرفياً، ولا يحاول أن يطبقها على نفسه المجردة بل على مجتمعه الذي أصبح يثير اشمئزازه ونقمته لاعتقاده برداءته وتخلفه.

يفعل ذلك في مقارنة غير موضوعية بين مجتمعه وبين ما لدى الآخر المبهر من قيم وثقافة وأدب وفنون ونظريات ومظاهر حضارية وغيرها.

وما يولده ذلك من شعور بالحسرة التي تتحول إلى نقمة على مجتمعه أو على الآخر (الأفضل).

لكن الأفضل وفق ماذا؟
ما هي المعايير و من وضعها؟

قد يكون الآخر هو الذي وضع تلك المعايير التي تقول بتفوقه وروج لها وجعلها انطباعاً في عقول الغير.

حضارياً (مادياً) قد يكون الآخر متفوقاً رغم أنه لم يكن كذلك قبل قرون، والمختلف اليوم بالمنظور المادي ربما كان متقدماً قبل قرون.

المقصود هنا بالتطور المادي، وسائل الحياة والعيش كتكنولوجيا الاتصال والتواصل والنقل والرفاهية وغيرها، لكن هل هذه ما تشكل الهوية؟ أم أنها القيم الثقافية الأصيلة التي تتمايز بين الأمم والتي لا تستطيع أمه ادعاء تفوقها على غيرها. اليابان مثلاً متطورة حضاريا (مادياً)، لكنها لا تعاني في الغالب من عقدة الثقافة مع الآخر؛ مع ما هو ثقافة غربية مثلاً.

قد يكون التطور الحضاري معياراً للمقارنة والمفاضلة، لكن لا يمكن استخدامه لإثبات التفوق الثقافي، ليس شرطاً أن تتبنى ثقافة أمة متطورة مادياً كي تتطور وتزدهر مادياً.

على العكس، الشرط أن تتمسك بثقافتك وهويتك الخاصة، باعتبارها مصدر تماسك وحافزاً وشعوراً مشتركاً للمجموع.

اقتصادياً، تتطور الصين يوماً بعد يوم بشكل متسارع، وتحاول في ظل هذا التطور أن تحافظ على هويتها وثقافتها الخاصة من الانجراف في العولمة؛ ثقافة الاستهلاك للشركات متعددة الجنسيات، ضياع الحدود الثقافية.

الصيني شخص مقتصد ويحب الادخار، لكن إلى درجة محميّ من الانجراف في الثقافة الاستهلاكية، وما مدى قدرة هويته على جعله يصمد من الارتماء بعمى في ثقافة الآخر وتقليدها والتنظير لها في بيئته؟

لكنها مهمة شاقة بالتأكيد، وهي مهمة شاقة أكثر للبلدان النامية وشعوبها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد