يقال "إن الفشل في التخطيط هو تخطيط للفشل"، هي عبارة أخرى من عبارات كثيرة استُهلِكَت وأُفرِغَت من معناها، ونُظِرَ إليها بسطحية ومن زاوية واحدة فقط، فَحنَّطنَا هذين المفهومين (الفشل والتخطيط) كما فعلنا مع غيرهما العديد من المفاهيم!
فماذا لو غيرنا نظرتنا لمفهومي "الفشل" و"التخطيط"؟! وعززناهما بتساؤلٍ يفتح لنا زوايا أخرى للنظر: ماذا لو كان "التخطيط للفشل" هو عين الصواب؟!
يحتوي نظام إخماد الحرائق الذي نجده معلقاً في سقف حجرات أغلب المباني حول العالم، على نظام بَخَّاخِ مِياه، ويحتوي هذا البخاخ على قارورة زجاجية صغيرة بها سائل أحمر اللون، وقد "صُمِمَت" هذه القارورة لكي تنكسر عند بلوغ درجة حرارة 68 درجة مؤية؛ حيث يبدأ السائل الأحمر بالغليان عند بلوغ تلك الدرجة، مما يرفع الضغط في الداخل، فينفجر الزجاج ويحدث الإخفاق، فتسقط الصمامات وتنفتح الثقوب لكي تتدفق المياه وتبدأ الرؤوس برشها، فينطفئ الحريق بطريقة آلية.
هذا ما يسمى باستراتيجية "الإخفاق المتوقع"
يستعمل هذا "التخطيط للفشل" أيضاً، في الجسور -وفي المباني بصفة عامة- المنشأة في المناطق ذات النشاط الزلزالي المهم؛ إذ إن الجسور في حالة الزلازل لا بد أن تصمم كي تتحرك بِحُرِية، ولكن في حالة الرياح -فقط- لا بد أن تكون ثابتة، من أجل ذلك تُصَممُ "دعامات ذات صمامات"، تعمل كدعائم ثابتة في وجه اهتزازات الرياح، وعند وصول الاهتزازات إلى شِدةٍ معينة -والتي يحققها الزلزال- تنكسر تلك الصمامات، لتصبح الدعامات "دعامات هيدروليكية" تسمح للجسر بالتحرك بِحُرِية!
لاحظنا من المثالين السابقين أن الفشل والإخفاق من طبيعة العناصر المادية، وهو أيضاً من طبيعة الإنسان، ومن السذاجة بمكان الاعتقاد بأن الإنسان لا يفشل ولا يخفق، لا بد أن نتقبل هذه الحقيقة، ولكن لا بد أيضاً أن نضع "هذه الرؤية للفشل" في إطارها الصحيح، فلا بد أن نأخذ بعين الاعتبار أن القارورة الزجاجية لم تنفجر قبل درجة حرارة 68، بل إنها انفجرت بعد أخذها أسبابها، وكذلك فعلت صمامات الاهتزازات، وكذلك يحدث للإنسان!
فـ"الإخفاق المتوقع" بهذا المفهوم، هو إن صح التعبير، "فشل ذو معنى"، هو تقبل حقيقة الإخفاق، ووضعها -قَبْلاً- في سياق ونسق مهمة أساسية كبرى، لا تتوقف بإخفاقك.
تمثيلاً للحياة البرية، يطلِق أحد البرامج الوثائقية عنوان "خُلِقَ لِيَفتَرس" على نمط عيش بعض الحيوانات، ولعل "خُلِقَ لِيُخفِق" تنطبق على حياة الإنسان، وما يؤكد هذه الجملة الصادمة، أول إخفاق في تاريخ البشرية، الذي كان سبباً في تواجد البشرية على سطح هذا الكوكب، يوم أكل أبونا آدم -عليه السلام- من الشجرة: {فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا}!
كان -بوسوسة الرجيم- إخفاقاً: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ}.. وكان -بعلم العليم- متوقعاً: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}.
فهي هكذا، كما أن إخفاق القارورة الزجاجية كان للقيام بالمهمة الأساسية: إطفاء الحريق، وإخفاق الصمامات كان من أجل المهمة الأساسية أيضاً: مقاومة الزلزال، فإن "الإخفاق المتوقع" الأول لسيدنا آدم -عليه السلام- كان ليقوم الإنسان بالمهمة الأساسية التي خُلِقَ وكُلِّفَ بها: {إِنِّي جَاعِلٌ (فِي الْأَرْضِ) خَلِيفَةً}!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.