جميعنا لا ينصف هذه المادة الأساسية، ودائماً ما توضع في قفص الاتهام على مر الزمان؛ للضرر الذي تحدثه إذا ترسبت في الشرايين، غير أن إماطة اللثام عن الأسرار الكامنة وراء هذه المادة الستيرويدية يكشف عن دور مهم ومحوري لهذه المادة، التي تتفرد الحيوانات بإنتاجها، فهي المكون الحيوي لأغشية الخلية، كما أنها مادة أولية لأحماض الصفراء اللازمة لهضم الدهون، كما تدخل في تركيب الهرمونات الجنسية (التستسترون والأستروجين والبروجسترون) وفيتامين "دي" المهم لامتصاص الكالسيوم.
اكتُشف الكوليسترول بشكله الصلب في حصيات عصارة المرارة من قِبَل فرنسوا بولوتييه دولاسال سنة 1769، وفي سنة 1815، أطلق عليه الكيميائي الفرنسي ميشيل أوجين شوفرول اسم "كُولستيرين"؛ حيث "كولي" تعني عصارة المرارة، و"ستيريوس" الجسم الصلب.
أولى المحاولات لوضع صيغة تركيبية للكوليسترول قام بها العالمان ونداوس وفيلاند عام 1928 منحا عنها جائزة نوبل؛ ليتبين بعد مرور أربع سنوات أن الصيغة خاطئة!! غير أن الدور الذي تلعبه ترسباته في أمراض القلب اكتشف عام 1951 حينما أرسلت وزارة الدفاع الأميركية علماء في علم الأمراض لكوريا لتشريح أجساد جنودها المتوفين في الحرب.
تستطيع خلايا الجسم، وعلى رأسها خلايا الكبد، صناعة كل ما تحتاجه من كوليسترول، كما يمكنها الحصول على كميات أخرى جاهزة في بعض أنواع الغذاء: مثل اللحوم التي تشكل أعضاء مستقلة في الجسم (الكبد، الكلية، اللسان، النخاع، صفار البيض، والدهون الحيوانية، ومشتقات الحليب، كالزبدة والأجبان).
ونظراً للطبيعة الدهنية للكوليسترول، فهو لا ينتقل بشكل حر في الدم، ولا يذوب في الماء، ولهذا يحتاج إلى بروتين ناقل يحمله في الجسم، يسمى هذا البروتين الناقل بـ(البروتين الدهني)، ويمكن تعيين نوع الكولسترول استناداً إلى نوع البروتين الدهني الذي يحمله، وسوف نتطرق إلى أهم نوعين هما:
1- البروتينات الدهنية العالية الكثافة (إتش. دي. إل): وتسمى بالكوليسترول النافع؛ حيث تقلل من خطر الأزمات القلبية بنقل الكوليسترول من الجسم، ومن ضمنها جدران الشرايين إلى الكبد؛ حيث يتحول إلى المادة الصفراء، وتخرج عن طريق البراز.
ولا يمكن للجسم تصنيعها؛ لذا ينصح بتعاطيها مع الغذاء؛ حيث تكثر في زيت كبد الحوت، وفي الأسماك، ويستحسن أخذ ملعقة صغيرة من زيت السمك، أو كبسولة منها يومياً، فتحسن من توازن النوعين (إل دي إل) و(إتش دي إل) في الدم.
2- البروتينات الدهنية المنخفضة الكثافة (إل.دي. إل): وتسمى بالكوليسترول الضار؛ حيث تزيد من خطر الأزمات القلبية، وتتواجد في الدم من مصدرين: من الغذاء مباشرة (فهي موجودة بكثرة في صفار البيض والجبن الدسم والجمبري والصدفيات)، أو يقوم الجسم بتصنيعها أثناء التمثيل الغذائي؛ لذلك يزيد وجودها في الدم أحياناً عن الحد اللازم.
تشير الدراسات إلى أن خطورة الكوليسترول الضار تبدأ إذا زادت نسبة الكوليسترول عن 200 ميللي غرام في مائة ملليلتر من الدم؛ حيث يتراكم (الكوليسترول الضار) على السطح الداخلي للشرايين، فينتج عن ذلك تكوّن لطخة أو بقعة (Plaque)، مما يؤدي إلى ازدياد سُمك الشرايين وتصلبها، فتفقد مرونتها وتضيق رويداً رويداً، مما يؤدي إلى قصور فى تيار الدم المحمل بالأكسجين والغذاء إلى القلب والمخ، مما يؤدي بدوره إلى السكتة القلبية أو الدماغية، كما أنه من الأسباب الرئيسية للضعف الجنسي لدى الرجال.
الوقاية والعلاج من ارتفاع الكوليسترول
1- اتباع التغذية الصحية المتوازنة، وذلك من خلال تناول الأغذية الغنيّة بالألياف والحلبة (وهي غنية بألياف ملطفة تسمى ميوسيلاج) والفول (الغني بالألياف الذي يحتوي أيضا على مادة الليسيثين)؛ إذ إنّها تلعب دوراً مهمّاً للمساعدة في خفض الكوليسترول، وجعله في المستوى الصحيّ وتناول الفواكه المحتوية على البكتين؛ كالتفّاح، والبرتقال، والطبقة الداخلية البيضاء لقشور الموالح، وكذلك تناول الخضراوات والسلطات، وجعلها من الأصناف الرئيسيّة في المائدة؛ لاحتوائها على فيتوستيرول التي تمتص داخل تيار الدم، وتقوم بطرد بعض من الكوليسترول.
كما ينصح بتناول الأسماك؛ إذ إنّ لها دوراً بارزاً في الحماية من تصلّب الشرايين وأمراض القلب.. كما أثبتت الدراسات أن تناول 800 مغم (حوالي فص واحد) من الثوم يومياً يؤدي إلى انخفاض الكوليسترول وضغط الدم.
ولتقليل نسبة الدهون يجب استعمال الزيت النباتي، بدلاً عن السمن أو الزبدة، وتجنّب تناول الوجبات السريعة، وإزالة الشحوم من اللحوم حتى تصبح حمراء فقط، ومن ذلك إزالة جلد الدجاج ودهونه قبل طبخه، وتناول الحليب ومنتجاته قليلة أو خالية الدسم.
2- تحقيق وزن صحي للجسم بشكل دائم من خلال الرياضة أو الريجيم أو كلاهما معاً.
3- التحكم في الضغوط النفسية ومشاكل الحياة.
4- الإقلاع عن التدخين.
ومن الأدوية الشائعة لعلاج الكوليسترول:
1- استاتين (Statins): هو الدواء الأكثر شيوعاً اليوم لعلاج الكوليسترول، ولخفض مستوى الكوليسترول في الدم؛ إذ يعيق إفراز المادة اللازمة لإنتاج الكوليسترول في الكبد.
غير أن بعض الدراسات الحديثة بدأت تدق ناقوس الخطر حول هذه المجموعة الدوائية، فقد حذرت دراسة يابانية جديدة، من أن الأشخاص الذين يتناولون عقار الستاتين أكثر عرضةً للمعاناة من تصلب الشرايين بسبب ترسبات الكالسيوم في الشرايين، وفشل عضلة القلب، وفي سياق متصل أكدت دراسة فنلندية أن المواظبة على عقار ستاتين قد تزيد من فرص الإصابة بمرض السكر النوع الثاني، فضلاً عن تدهور السيطرة على مستوى السكر في الدم.
2- أدوية تربط الأحماض الصفراوية (Bile – acid – binding resins).
3- أدوية مثبطة لامتصاص الكوليسترول (Cholesterol absorption inhibitors).
4- الجمع بين أدوية معيقة لامتصاص الكوليسترول والاستاتين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.