أن تكون طفلتي مريضة

شعرت بأن الوقت بدأ يسير ببطء شديد، وتمنيت أن أدفع بالزمن إلى الأمام بكل قوتي، حتى يحين الوقت الحاسم لنتيجة التحاليل النهائية، هي أيام قليلة لكنني شعرت بها، وكأنها سنوات طويلة، وكأن العالم قد توقف من حولي.

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/08 الساعة 05:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/08 الساعة 05:47 بتوقيت غرينتش

أيام قليلة كانت تفصلني عن نتيجة التحاليل الخاصة بابنتي، التي تبلغ من العمر عشر سنوات، عندما أصيبت بوعكة صحية مفاجئة، تم نقلها على أثرها إلى المستشفى؛ لمعرفة ما الذي ألمَّ بها، فكانت نتيجة التحليل الأولية تشير إلى ارتفاع شديد في نسبة السكر لديها؛ حيث اشتبه الطبيب المعالج في أن تكون ابنتي مصابة بمرض السكري.

ولكن حسب قوله، فإن هذه مجرد تحاليل أولية ولا بد من إجراءات أخرى وتحاليل جديدة للتأكد من وجود المرض.

حينها شعرت بأن الوقت بدأ يسير ببطء شديد، وتمنيت أن أدفع بالزمن إلى الأمام بكل قوتي، حتى يحين الوقت الحاسم لنتيجة التحاليل النهائية، هي أيام قليلة لكنني شعرت بها، وكأنها سنوات طويلة، وكأن العالم قد توقف من حولي.

لم ترحمني سلسلة التخيلات التي سيطرت على عقلي في ذلك الوقت، الذي كنت أعد به اللحظات والساعات لمعرفة النتيجة النهائية، تساءلت: ماذا لو كانت فعلاً ابنتي مريضة، وهي لا تزال طفلة في أول عمرها؟ كيف ستتحمل حقن الإنسولين في كل صباح؟ كيف ستقاوم آلام المرض الشديدة؟ وكيف ستلتئم جروحها في حال خدشها؟

تساءلت عن نوعية الأطعمة المسموحة لها وعن نوعية الأطعمة الممنوعة، وكيف سنواجه مرضها معاً؟

عاتبت نفسي كثيراً عن كل لحظة كانت تحدثني فيها ابنتي عن حكاياتها مع صديقاتها، وعن يومياتها في المدرسة، ولم أكن أستمع إليها جيداً، وعن أحلامها الطفولية وأمنياتها، وعن طلبها لمشاركتي معها في ممارسة هواياتها المفضلة، وكنت أعتذر لأني مشغولة، وعن مرافقتي لها في نزهة، ولم أفعل لأن وقتي لا يسمح، وعن كل شيء طلبته مني وتأخرت في تلبيته لها.

أصبحت أطيل النظر إليها طويلاً، وأعانقها كثيراً، وأحتبس دموعي حتى لا تشعر بأن شيئاً ما سيحدث.

فكرت في أشياء كثيرة سأفعلها من أجلها، سأصبح أكثر حرصاً عليها، سأترك عملي وأتخلى عن طموحي وأهدافي، سأخفف من علاقاتي الاجتماعية ولقائي مع صديقاتي، سأمتنع عن المشاركة في فعاليات ومناسبات مجتمعية، سأكرس معظم وقتي لها، سأغيّر روتين حياتي، وسأتخلى عن أشياء، وسألتزم بفعل أشياء أخرى، لن أعاقبها إذا أخطأت، سأستمع إليها جيداً، وسأحقق لها كل ما تتمنى، لعلها تكون بخير.

أكثرت من دعائي ورجائي لله بأن تكون النتيجة النهائية سليمة، وسألت الله أن يحفظها من كل شر، وإذا كان لا بد من الابتلاء، فتوسلت لله أن يكون بي.. وليس بها.

إلى أن جاء موعد النتيجة النهائية، وكانت بحمد الله سليمة، لك أن تتخيل طبيعة مشاعري في تلك اللحظة، بعد أن مرَّت عليَّ أيام كانت بمثابة عمر آخر لم يكن في الحسبان، وكان في لحظة بمثابة الحد الفاصل بين حياة ستمضي وحياة أخرى سيكون كل شيء فيها بألف حساب، وكل خطوة يجب أن تكون مدروسة، لحماية ابنتي من أي مضاعفات، لكن بمشيئة الله مرت المحنة، وكأنها كابوس قاسٍ، فرغم صغر المحنة ومرارة الانتظار، فإنني تعلمت الكثير، وقمت بإعادة حساباتي وترتيب أموري، فلا شيء في هذا الكون يضاهي صحة الأطفال، كم صلّيت من أجل شفاء الأطفال المرضى، ودعوت أن تبرد نيران الحزن المشتعلة في قلوب أمهاتهم.

ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الابتلاء يكون على قدر الإيمان، فكلما زاد الإيمان زاد الابتلاء والاختبار.

حقاً لم يشعر بحزن غيره أو مصيبة أخيه إلا مَن ذاق من نفس الكأس، فإن مجرد التخيلات والسيناريوهات التي نسجت في عقلي أثارت لي الرعب، وقلبت كياني وغيَّرت موازين حياتي كلها، فكيف لو أصبح الأمر حقيقياً؟! فالحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد