منذ عدة أشهر كتبت إحداهن على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تحكي عن تجربة زواجها، والتي كلَّل نجاحها قرار اتَّخذته هي وشريك حياتها بتأخير الإنجاب، وقد عرضت في حديثها عن تجربتها أسبابها الخاصة جدًا التي دفعتها لإتخاذ هذا القرار.
أعلم تمامًا أن لكل منا تجربته الخاصة التي تتناغم مع ظروفه وبيئته وعقليته، أما ما استوقفني وقتها هو كم الفتيات حديثات الزواج والعازبات اللَّاتي شاركن بنشر تجربة تلك السيدة مع عبارات انبهار تؤكد اقتناع كل منهن بالتجربة والعزم على خوضها.
أعمل بمجال علاج تأخر الإنجاب منذ سبعة أعوام، وهذا وحده يكفي كي تصبح تلك التجربة شيئًا مفزعًا بالنسبة لي، فأثناء متابعتي لتعليقاتهن المنبهرة بما أظهرته تجربتها الشخصية جدًا من نجاح مر بذهني مئات الحالات التي شاهدتها منذ بداية عملي بهذا المجال، مما جعلني أرى في تعليقاتهن سذاجة طفولتنا حينما كنا نظن أن للحياة تسلسلًا لايمكن أن تحيد عنه، مادمنا نعمل على المنهاج الذي يحفظ استقامتها كما ارتسمت بخيالاتنا الصغيرة، يبدأ بالدراسة، ومن ثم عمل، ثم زواج فإنجاب، وهكذا تسير الحياة في مجراها الطبيعي وفق مخططاتنا، من دون أن يلتفتن لمشيئة الله وأقداره.
تذكرت كثير من الفتيات في العشرينات من العمر اللاتي اكتشفن قبيل أو بعد الزواج أنهن مصنفات كـ Premature Ovarian Failure Cases أو حالات فشل المبايض المبكر، ذلك المرض الذي بدأ يستوحش بكثرة بين صغيرات السن، تعاني صاحبته من نقص حاد في مخزون البويضات؛ مما يجعل فرص الإنجاب لديها ضعيفة جدًا، بل معدومة عند بعضهن؛ فقد ينفد مخزون المبايض لإحداهن وهي في بدايات العشرينات؛ لنجد أنفسنا أمام فتاة قد انتهى حلم الأمومة لديها بلا أمل في علاج!
أتذكر مئات الزيجات التي كان قرار استمرارها يقف أمام باب غرفة العمليات ينتظر نتيجة تحسمه خلال ساعات أو أيام، أتذكر كثير من الشباب الذين ساقهم القدر لطبيب الذكورة، ثم انتهت بهم الفحوصات لإجراء جراحات يتحدد بناء عليها إن كان بإمكانهم خوض تجربة الحقن المجهري فيما بعد أم لا، سيدات في الأربعينات من العمر ورجال قد ضرب الشيب برؤسهم يُقدموا على إجراء عمليات الحقن المجهري، حلم الأمومة والأبوة الذي لايقف أمامه تقدم العمر، رجال ونساء من أقصى الصعيد حكايات عمن باع الأرض أو مايملك من ماشية كي يوفر تكاليف العملية والتي ليست بالقليلة، أتذكر سيدات مررن بالتجربة مرات عدة أملًا في إنجاب طفل، إلا أن الله لم يشأ لهن ذلك، يظن من يُقدم على هذه الخطوة أنه قد ضمن الحل للحصول على طفل، لكن في حقيقة الأمر، وحسب ما تُشير إليه الإحصائيات، فإن معدلات نجاح عمليات الحقن المجهري تتراوح مابين ٤٠ – ٦٠ ٪ فقط، وبين حالات النجاح هناك من يكتمل حملها للنهاية ومن تخسره في بداية الطريق وربما في آخره، أتذكر كثيرًا من الحالات التي تُعرف بـ Unexplained Infertility Cases أو حالات العقم غير المُفَسَّرة تلك الحالات التي يعجز أمامها العلم عن تحديد سبب تأخر الإنجاب تُظهر فيها فحوصات كل من الزوجين سلامة صحتهما الإنجابية، بالرغم من ذلك تمر سنوات دون حدوث حمل؛ مما يدفعهما للجوء إلى عمليات الحقن المجهري، أتذكر حالات نادرة نقف معها أمام غرائبية القدر الذى يشاء لإحداهن أن تحمل بداخلها أجسام مضادة أو ما يسمى بـ Antisperm Antibodies والتي تمنعها من الإنجاب من زوجها خاصةً، بينما يمكن لكل منهما أن ينجب حين ارتباطه بآخر، مئات الحالات وكثير من الأحداث التي توضع تحت بند المعجزات نراها بشكل دائم، والتي يتجسد فيها قوله تعالى: يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا، ويجعل من يشاء عقيمًا إنه عليم قدير.
بالنظر لحكم الشرع فما دام تأجيل الإنجاب لسبب ما غير خشية الفقر فلا مانع ويبقى هنا رأي العلم فقبل كتابتي للتدوينة سألت أحد أطباء النساء عن الخطوات التي يتبعها مع الأزواج الراغبين في تأجيل الإنجاب، فحدثني عن طرق إختيار الوسيلة المناسبة بناء على معلومات طبية تخص تاريخ الزوجة الصحي ونساء عائلتها، إلا أنه ذكر لي ما كنت أود أن أسمعه، وهو ما قد يغفل عنه طبيب النساء، خاصةً من لم يسبق له العمل بمجال تأخر الإنجاب من أهمية إجراء فحوصات للزوجين تؤكد له سلامة صحتهما الإنجابية بالأساس، وأنه ليس هناك خلل ما يعوق الإنجاب فيما بعد فينتج عن خطوة تأجيله ضرر يزيد من تضخم المشكلة، حيث إنه لعامل الوقت تأثير كبير في هذا الأمر، وبناء عليه فلابد من إجراء بعض الفحوصات التي تضمن ذلك، ومنها معرفة مخزون البويضات لدى الزوجة تجنبًا أن تكون ممن يتم تصنيفهن بـ Premature Ovarian Failure والذي قد أشارنا إليه مسبقًا، أدرك تمامًا مخاوف البعض من فكرة تحمل مسئولية طفل، خاصةً في زماننا هذا وعالمنا البائس.. إلا أن تناول بعضهن للأمر بشيء من التدلل والترف هو ما دفعني لكتابة تدوينتي.. فأنا لا أكتب انتقادًا مني لفكرة تأجيل الإنجاب أو تأخيره، وإنما لعل ما أشرت إليه يكون منبهًا لهن إلى خطورة تلك الخطوة على بعضهن، فإن أقدمت إحداهن على خوض مثل هذه التجربة، فعليها أن تسلك الطرق السليمة التي تأمن لها عدم الانتقال عبثاً من مرحلة تأخير إلى تأخر الإنجاب!
– هذا المقال منشور على موقع ساسة بوست
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.