الكوليرا.. المرض الفتاك

تنتشر الكوليرا في المناطق التي لا تعالج فيها مياه المجاري، محدثة مخاطر جمة في البيئات الفقيرة المكتظة بالسكان ووسط اللاجئين؛ حيث سوء المرافق الصحية ومياه الشرب غير النقية؛ لذلك تتحول الكوليرا إلى وباء حينما تأتي قرينة للفقر أو الحروب أو الكوارث الطبيعية، ويتم التأكد من الإصابة بالكوليرا عن طريق فحص عينة من براز المريض، والكشف عن وجود البكتيريا المسببة للمرض بها.

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/04 الساعة 07:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/04 الساعة 07:40 بتوقيت غرينتش

الكوليرا مرض فتاك ومعدٍ نتيجة لعدوى بكتيرية معوية حادة تنشأ بسبب تناول طعام أو ماء ملوث ببكتيريا تسمى الضمة الكوليرية (Vibrio Cholerae)، ويرجع الفضل في اكتشاف هذه البكتيريا المسببة للكوليرا للعالم الإيطالي فيليبو باسيني عام 1854.

وقد وصف العالم الألماني المشهور روبرت كوخ هذه البكتيريا المسببة للكوليرا للمرة الأولى في التاريخ بأنها بكتيريا تتحرك عن طريق أسواط، وتهتز باستمرار في مكانها وتصيب هذه العدوى الجهاز الهضمى، خاصة الأمعاء الدقيقة، وعلى الرغم من أن بكتريا الكوليرا هي مصدر العدوى، فإن التأثير المميت للمرض يأتي من السم الذي يُعرف باسم (CTX) الذي تفرزه البكتريا في الأمعاء الدقيقة؛ حيث يلتصق هذا السم بجدار الأمعاء، ويؤثر على التدفق الطبيعي للصوديوم والكلوريد، مما ينتج عنه إفراز الجسم لكمّ هائل من الماء مسبباً الإسهال المائي الحاد، غير المصحوب بمغص أو آلام في البطن، وهذا الإسهال يكون مفاجئاً وغزيراً ويشبه كثيراً ماء الأرز المطبوخ، وهذا بدوره يؤدي إلى فقدان كميات كبيرة من سوائل الجسم في مدة قصيرة، والذي يمكن أن يؤدي إلى الجفاف نتيجة للفقدان السريع لسوائل الجسم بعد الإسهال والقيء، مما يؤدي إلى هبوط في الدورة الدموية.

والكوليرا مرض لا يتورع عن حصد الأرواح مجتاحاً الدول دون حواجز أو قيود، ولقد كان يعتقد لفترة طويلة أن الإنسان هو المستودع الرئيسي للكوليرا، كما كان يسود الاعتقاد بانتقال عدوى بكتيريا الكوليرا عن طريق الروائح الكريهة، ولكن في القرن التاسع عشر استطاع عالم الوبائيات البريطاني جون سنو، الربط بين انتقال العدوى بالكوليرا ومياه الشرب الملوثة بالبكتيريا، ومن ثم أصبحت أصابع الاتهام تتجه إلى البيئات المائية التي يمكنها العمل كمستودعات للبكتيريا.

تنتشر الكوليرا في المناطق التي لا تعالج فيها مياه المجاري، محدثة مخاطر جمة في البيئات الفقيرة المكتظة بالسكان ووسط اللاجئين؛ حيث سوء المرافق الصحية ومياه الشرب غير النقية؛ لذلك تتحول الكوليرا إلى وباء حينما تأتي قرينة للفقر أو الحروب أو الكوارث الطبيعية، ويتم التأكد من الإصابة بالكوليرا عن طريق فحص عينة من براز المريض، والكشف عن وجود البكتيريا المسببة للمرض بها.

كان اسم الكوليرا في الماضي كفيلاً بأن يثير الرعب والهلع في النفوس، وقد كان أول ظهور لوباء الكوليرا بمصر عام 1830؛ حيث بذل الطبيب الفرنسي كلوت بك وتلاميذه جهوداً مضنية للتصدي له، حتى إن محمد علي، والي مصر، أنعم عليه في نفس العام بالبكوية، ومن وقتها صار كلوت بك، إلا أنه في العام التالي تفشى المرض عن طريق الحجاج، والذي انتقل إليهم من حجاج الهند، مما دعا محمد علي إلى إدخال نظام الحجر الصحي المعمول به في أوروبا، فأنشأ أول محجر صحي بجانب الميناء الشرقي الذي ترسو به سفن الجاليات الأوروبية والأجنبية.

وقد أطلق عليه اسم (لازاريت) ولفظة لازاريت ذات أصل لاتيني معناها الأبرص أو المجزوم، والطريف أن تحريفات الأهالي حولتها بعد ذلك إلى الأزاريطة التي أصبحت من أهم أحياء الإسكندرية ودخلت التاريخ مؤخراً ببرجها المائل!

هناك العديد من النّصائح للوقاية من الإصابة بمرض الكوليرا، منها: غلي الماء مدّة دقيقة إلى ثلاث دقائق على حرارةٍ مُرتفعةٍ، وتجنّب الأطعمة النّيئة مثل: الفواكه والخضراوات غير المُقشّرة، والحليب، ومنتجات الألبان غير المُبسترة، واللحوم النّيئة أو غير المطبوخة، تجنّب تناول الأسماك التي قد تكون مُلوّثةً بمياه الصّرف الصحيّ كذلك ضرورة غسل اليدين بالصابون على نحو منتظم بعد الإبراز، وقبل مسك الأطعمة أو تناولها، إضافة إلى اتباع الممارسات السليمة في تحضير الأطعمة وحفظها.

ومن أطرف سبل مقاومة المرض ما ساقه الطبيب الأميركي (بول هاريسون) في كتابه (رحلة طبيب في الجزيرة العربية) في وصفه لرحلته إلى سلطنة عمان في عام 1926 في وقت كان مرض الكوليرا مستشرياً إلى الحد الذي يهدد بإفناء سكان عمان، مما دعا الحاكم وقتها إلى أن يصدر تهديداً لسكان عمان إذا تم ضبط أي شخص يشرب ماء غير مغلي معرضاً حاله والآخرين للمرض، فإنه يعدم رمياً بالرصاص عند شروق الشمس، وبذلك توقف الوباء في السلطنة، كما لو كان قد استؤصل بفأس، ولم تظهر أية حالة جديدة أخرى.

تعزيز الترصد والإنذار المبكر من الأمور الهامة التي تساعد إلى حدّ كبير في الكشف المبكر واتخاذ كافة تدابير المكافحة، وعلى العكس، فمعالجة المجتمع على نحو روتيني بالمضادات الحيوية لا تؤثر في كبح انتشار الكوليرا، بل قد يؤدي إلى آثار عكسية من خلال تزايد مقاومة مضادات الميكروبات ومنح شعور كاذب بالأمان.

يرتكز علاج هذا المرض على شرب كميات كبيرة من الماء والسوائل، فهما الدُّعامة الأساسيّة لمرض الكوليرا، اعتماداً على مدى شدّة الإسهال؛ حيث يكون العلاج عن طريقِ الفم، أو عن طريق الحقن بالوريدِ بمحاليل معالجة الجفاف في الحالات شديدة الخطورة لتعويضِ الجسم عن السّوائل المفقودة، وكذلك إعطاء بعض المضادات الحيوية التي تقتل البكتيريا (مثل التتراسيكلين أو الدوكسيسيكلين أو ازيثروميسين كبسولات) أحياناً إلى جانب المحاليل والسوائل والمُضادّات الحيوية لا تُعتبر جزءاً من العلاجِ الطارئ في الحالاتِ الخفيفة، ولكنها يُمكن أن تُقلّل من مُدّة الإسهال بمُعدّل النّصف، كذلك تُقلّل إفراز البكتيريا، ممّا يساعد على منع انتشار المرض، فضلا عن أخذ الأدوية المُضادّة للأعراض المُصاحبة، مثل أدوية القيء، والإسهال، وخافضات الحرارة وقديماً كان الثوم يستخدم في القضاء على مرض الكوليرا كما يعتقد أن زيت القرنفل مفيد جداً لعلاج الكوليرا، والحماية منها كما أظهرت الأبحاث أن الزنك قد يساعد في تقليل مدة الإسهال، وفي كمه عند الأطفال التي تعاني من الكوليرا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد