من سيرة ابن حنبل.. وتاريخنا شبه المزيّف

حظيت بفرصة نادرة لمتابعة مسلسل الإمام أحمد بن حنبل خلال شهر رمضان الفضيل، بوازع معرفة أكثر للتاريخ، وأصول شخصية سمعت عن اسمها الكثير، ولم أحظَ بقراءة شيء عن مسيرتها، إمام قد أثار العديد من وجهات النظر، وكان -وما زال- صاحب الفضل الكبير في مسيرة الديانة الإسلامية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/02 الساعة 05:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/02 الساعة 05:37 بتوقيت غرينتش

حظيت بفرصة نادرة لمتابعة مسلسل الإمام أحمد بن حنبل خلال شهر رمضان الفضيل، بوازع معرفة أكثر للتاريخ، وأصول شخصية سمعت عن اسمها الكثير، ولم أحظَ بقراءة شيء عن مسيرتها، إمام قد أثار العديد من وجهات النظر، وكان -وما زال- صاحب الفضل الكبير في مسيرة الديانة الإسلامية.

استغرقت في حضور المسلسل وقتاً أقل بكثير مما قضيته في قراءة كتب ومصادر خارجية مرتبطة بحياة ابن حنبل ومن معه، لمتابعة سيرة إمام عانى الكثير وشهد عصره تبدّل حكام وتغير آراء ومعتقدات، وهذا ما يجعلك حريصاً جداً على الحصول على أقرب المعلومات دقة ودون الاعتماد على مصدر واحد فقط.

ما انتهيت من متابعة المسلسل، والسؤال والبحث عن جل الأسماء التي ذكرت فيه، وقد تغيرت لديّ الكثير من المسلّمات التي كنت أؤمن بها، وخاصة ثقتي بما أسمعه عن تاريخنا الإسلامي والأبطال الكثر الذين ذكروا فيه، فبعد ذلك لن أؤمن بأي شيء يقال بالتاريخ دون التأكّد منه في أكثر من مصدر.

فقد تربينا على أن حكام المسلمين في فترات الفتوحات الإسلامية هم أبطال لا يمسهم خطأ أو حساب، بل التاريخ جعلهم أقرب للمنزلين، لا شك بما قدموه من إنجازات وتضحيات ولا إنكار لباعهم الطويل في خدمة الإسلام، ولكن كان لعدد منهم بعض الأخطاء أو بعض التحفظات سواء بعلم أو من غير علم.

وكما أن الحكام كانوا حريصين على قوة الدولة الإسلامية وانتشارها، ولكن لم يخلُ أي حكم لهم من وجود تناحرات وأحزاب وصولاً إلى طوائف كانت تتسابق لبلاط الخليفة للتأثير بسياسته لصالح طائفة أو حزب عن آخر.

وهذا ما يؤكد أن السياسة قبل ألف عام هي نفسها اليوم لا تتغير معاملتها بتغير الظروف ولا حتى الأشخاص، وتظهر هنا أهمية البحث بالتاريخ أكثر، وقراءته بعين حيادية، وتسليط الضوء على ما لا نحب أن نسمع أكثر من قراءة البطولات والإنجازات وحسب.

لا يوجد حكم ديني ينهانا على عدم انتقاد الخلفاء والحكام المسلمين، بل من الواجب فعل ذلك، والواجب علينا أن نبحث عن أسباب عظمتهم وانتصاراتهم، وأسباب وجود من يطغاهم، ومن ظُلم من خلالهم، وأين أصابوا وأين أخطأوا.

التاريخ لا يرحم، ولأجل ذلك لا بد من نقل التاريخ كله لا جزء عنه، سمعت كغيري وقرأت عن الرشيد وابنَيه الأمين والمأمون، وعظمة فتوحاتهم، ولكن لم أعلم إلا من قريب أن المأمون صاحب أكبر نهضة فكرية وعلمية بالتاريخ الإسلامي قتل أخاه الأمين من أجل الخلافة، وقام بملاحقة كل أهل السنة، واعتمد مذهب المعتزلة، كمذهب معتمد، ولا غير سواه، يسير عليه كل فرد في الدولة الإسلامية، ومن منا لا يعرف أخاهم المعتصم، وما قام به في نجدة المرأة المسلمة التي استنجدت به، ولكن من منا يعلم أن في عهد المعتصم كان يجرم من يدعي أن القرآن هو من كلام الله، بل تأثر بمستشاريه المعتزلة الذين ورثهم عن المأمون وقد أقر أنه مخلوق، وقام بجلد كل من يدحض هذا القول، وأولهم الإمام أحمد بن حنبل.

تاريخنا يحتاج إلى وقفة حقيقية مع ذاتنا، وهل نحن على استعداد أن نذكر أخطاء أسلافنا أم أن تمجيدنا للماضي هو أفضل وسيلة لتحمّل حاضرنا الحالي السيئ؟

أيعقل بعد 100 عام أقل أو أكثر، أن ننكر ما كنا عليه من خلافات وحروب ونزاعات طائفية تنزل بنا إلى الحضيض اليوم؟

وهل يعقل أن نجعل من بعض الأشخاص اليوم قادة وفاتحين وأبطالاً في كتب التاريخ للأجيال القادمة؟ أم هل سنخرج من عباءة الاستحياء بأخطائنا وأن نذكر أن صناعة الأبطال ما هي إلا عمل ماهر يقوم به كتاب التاريخ، وتجد بيئة ملائمة فيمن يأخذون بمسلمات الأمور دونما بحث أو تمحيص، وأعتقد إن بقينا على هذا الحال، فلا شك أن مَن ظلموا شعبهم اليوم، وطغاة السياسة والحرب في بلادنا في هذه الحقبة من الزمن، يكفيهم الاستعانة بكاتب تاريخ ماهر؛ ليصنع منهم أبطالاً وقائدين بعد قرن من الزمن.

لو بحثنا وتمحصنا بتاريخنا دونما خجل بالاعتراف ببعض الأخطاء قبل تفخيم الأمجاد لهو أفضل لنا بكثير من أن نتغنى بأطلالنا، ونلعن حاضرنا، فالتغيير لن يأتي إلا بالاستفادة من ماضٍ قد دثر وقصص منه وعبر.

(قبل حوالي 70 عاماً، كانت العنصرية في أوجها في الدول الغربية، التي جميعنا لا ننكر مدى الثقافة والتطور التي وصلت إليه في يومنا هذا، لم ينكروا هذا الماضي القريب عن أنفسهم أو عن غيرهم، بل يذكرون أنفسهم به كل مرة؛ ليزيد إصرارهم على الإنسانية، والتواضع، والثقافة، والتطور في جميع المجالات، فهم ليسوا بأذكى منا، بل هم أفضل منا بقراءة تاريخهم وأخذ العِبر منه.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد