موت صغير وجائزة البوكر

هي مجرد سيرة ذاتية لشخصية تاريخية، صحيح أنها شخصية إشكالية، لكن هذه الإشكالية لم توظف بالصورة المحفزة للقارئ، هي سيرة شيخ العارفين محيي الدين بن عربي مع بعض التصرف، إضافة إلى بعض التمريرات لمقولات تعكس أيديولوجية الكاتب حول واقع اليوم بين الفينة والأخرى، ولعله لهذا السبب اختار محيي الدين بن عربي، لأنه يوافق هذه الآراء، ويمكن للقارئ معرفتها بسهولة دون بذل جهد في ذلك.

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/28 الساعة 04:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/28 الساعة 04:19 بتوقيت غرينتش

تقييم الأعمال الأدبية من خلال فوزها بالجوائز لم يعد أمراً ذا مصداقية، خاصة بالنسبة للمتلقي المبدع والمتلقي الناقد، لأن الاعتياد على قراءة النصوص الفائزة دائماً ما يخيب أفق توقعه، فالتمكن من الفوز لا بد أن يصاحَب بمجموعة من المعايير الأدبية بداية، ثم إذا ما زاد على هذه المعايير الأدبية حيثيات أيديولوجية أو سياسية أو دينية فليس في الأمر بأس، فالأدب أحببنا ذلك أم كرهنا مرتبط ارتباطاً عميقاً بواقع الحياة، ولا ينفصل عنها حتى عندما ينتفض ثائراً وقائلاً بالفن للفن وما يشبهها، فحتى هذه الانتفاضة تحمل أبعاداً أيديولوجية، يمكن أن تستشفَّها عندما تدرس الفترات التي أطلقت فيها.

ولنعاود الحديث عن فكرة الجوائز الأدبية اليوم، التي لم تعد ميزاناً صالحاً للتقييم الأدبي، سواء أكانت العالمية منها نحو أشهرها نوبل، وما فعلته لجنتها في منحها للمغني بوب دايلان دون سائر الأدباء والكتاب، والأمر نفسه بالنسبة للجوائز العربية كالبوكر مؤخراً التي مُنحت لرواية "موت صغير" بعد كل هذا الكم من الروايات المرشحة، لماذا هذه الرواية تحديداً، ما مميزاتها، وما معايير اختيارها؟ إذا كان المعيار الأهم غائباً عنها، فنيتها، جمالية الرواية، ما يسميه النقاد بأدبيتها، خاصة أن اللجنة متخصصة تضم مبدعين ونقاداً وأكاديميين، فالرواية مباشرة، وهذا أول عيوبها، ولم يبذل كاتبها جهداً يُحسب له، لا في اللغة ولا في التقنيات ولا في لعبة الزمان ولا المكان، ولا حتى في الشخصيات.

هي مجرد سيرة ذاتية لشخصية تاريخية، صحيح أنها شخصية إشكالية، لكن هذه الإشكالية لم توظف بالصورة المحفزة للقارئ، هي سيرة شيخ العارفين محيي الدين بن عربي مع بعض التصرف، إضافة إلى بعض التمريرات لمقولات تعكس أيديولوجية الكاتب حول واقع اليوم بين الفينة والأخرى، ولعله لهذا السبب اختار محيي الدين بن عربي، لأنه يوافق هذه الآراء، ويمكن للقارئ معرفتها بسهولة دون بذل جهد في ذلك.

وكأني بالكاتب انبهر بنجاح "قواعد العشق الأربعون"، فأراد أن يحذو حذوها لكنه فشل في الوصول إلى الأثر الذي أودعته هذه الرواية في قرائها، فالفكرة ليست في توظيف الحدث التاريخي أو الشخصية التاريخية بوضعها أمام يدي القارئ، وكأنه يطلع عليها في كتب التاريخ.

الإبداع يختلف، هو تكثيف وتغيير وتحريف وعدول وانزياح عن المتوقع والمعروف والمعهود، وهذا سر تميز أليف شفاك، هو جمع قصتين بين زمنين متباينين تتقاطعان في هدف واحد، واعتمادها على الجماليات واضح في تقنيات الرواية وأسلوبها.

فقد حاول محمد حسن علوان التناصّ مع فكرة توظيف القصتين، ولكن التوظيف واضح وبسيط، ولا يعتمد حبكة مثيرة، وتميُّز أدبية رواية "قواعد العشق الأربعون" واضح، حتى في الترجمة التي أبدعها أحمد درويش، لذلك لا بد أن نعيد للأدب الخاصية الأهم؛ فنيّته.

فهل الرواية فن أم أيديولوجيا تاريخية؟ صحيح أننا اليوم في واقع لا يسمح لنا بالقول الحر، وعلينا التوسل بالتاريخ والأساطير والحيوانات، وحتى العوالم المتخلية، وما يسمى اليوم العوالم المتوازية، لكن محك النجاح هو عبقرية التوظيف.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد