أثناء تحضير حلقة خاصة بكتاب أهم خمسة أشياء يندم عليها المرء عند الموت للكاتبة والممرضة بروني وير، استوقفتني فقرة تتحدث عن العمل، وكيف يستهلك وقت الإنسان وحياته على حساب أهله وأبنائه ومتعته في الحياة، وقد أردت أن أُغني الموضوع ببعض قصص المشاهير الذين انتهت حياتهم، وهم في أوج المجد والشهرة، وكنت قد قرأت شيئاً عن ستيف جوبز، أحد مؤسسي شركة أبل، والمدير التنفيذي السابق لها، فلقيت موقع إخباري كبير ينقل عن صحيفة الـ"نيويورك تايمز" مقالاً كتبته شقيقة الراحل عن الأيام الأخيرة من حياته حتى وفاته، ونقلت أنه كان يلتقي بأبنائه وأفراد عائلته كثيراً، وكذلك زملاء العمل ليطلب منهم إتمام ما بدأه.
وكانت الكلمات الأخيرة التي تفوّه بها "أووه واو" كررها 3 مرات ثم توفّي.
انتهت القصة عند ذلك، ولكني فُجعت بموقع إسلامي ينقل أمراً آخر مختلفاً تماماً عن آخر لحظات الرجل، كانت أقرب للموعظة منها لأي شيء آخر، كتب الموقع: (باختصار.. هذا الرجل بلغ آخر ومنتهى النجاح في مجاله وعصره.. ثم قال على فراش الموت: بلغت قمة النجاح في عالم التجارة والمال، وفي أعين الناس كانت حياتي رمزاً للنجاح، ورغم ذلك كانت البهجة قليلة في حياتي، أما بالنسبة لثروتي فقد أصبحت مجرد حقيقة وواقع اعتدت عليه.. في هذا الوقت وأنا ممدد على سريري في المستشفى أتذكر حياتي الطويلة أدرك أن جميع الجوائز والثروات التي كنت فخوراً جداً بها أصبحت باهتة لا معنى لها مع اقتراب الموت الوشيك.. في هذا الظلام أنظر إلى الأضواء الخضراء، لمعدات التنفس الصناعي وأنصت لأصواتها الميكانيكية فأشعر بأنفاس ملك الموت تقترب مني.. الآن فقط وبعد أن أمضيت حياتي محاولاً جمع ما يكفي من المال أدركت أنه كان لديّ ما يكفي من الوقت لتحقيق أهداف أخرى لا تتعلق بالثروة.. أهداف أخرى أكثر أهمية مثل: الحب.. الجمال.. أحلام طفولتي.. عدم التوقف عن ملاحقة الثروة يمكن أن يجعل منك مجرد كائن مكوم على فراشه مثلي تماماً الآن).
ورغم أنني لست مغرماً بالشتم أو باستخدام أغلظ الألفاظ وما زالت، فإنني أريد إثارة هذا الموضوع لبيان مجموعة من الأخطاء المنهجية، وكذلك الأخلاقية.
أولاً الرجل في موقف الموت، وهو موقف لا يحسد عليه أحد، والكل يندم على كثير من أخطاء حياته، بل وتنقل لنا المأثورات التاريخية قصصاً لصحابة وتابعين وعلماء وفقهاء ووعاظ كانت لهم كلمات حزينة على حياتهم، وخوفهم من القادم!
ثانياً من قال إن الرجل لم يقدم للإنسانية شيئاً يُذكر؟! سيبقى اسمه لقرون طويلة محفوراً في الذاكرة بسبب مخترعاته الكبيرة التي غيّرت من وجه العالم.
ثالثاً: ما الرسالة التي يريد الموقع إيصالها، علماً بأن ما كتب انتشر بين الآلاف من القراء، هل هي رسالة الموعظة بالموت؟ أم السخرية من الرجل وتصغير ما قدمه؟ أم ماذا بالضبط؟! لم يكن الكذب يوماً مقبولاً، ولا مبرراً للغاية، وإن حسنت.
الرجل مات وهو يقول: "أووه واو"، وليس أي شيء آخر.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.