ما سأطرحه هو فَهْمِي (ويشكل منهجيتي في التعامل مع القرآن) وليس بالضرورة فهماً نهائياً، فهو أمر ينمو ويتطور معي، سأتطرق له من خلال جانب العلاقات الزوجية لكي يتضح المعنى.
الأمر الأول: أن القرآن يطرح قواعد عامة أساسية في القضايا التي يتطرق لها، هي تشكل غايات ومقاصد متجاوزة للزمان والمكان.
مثلاً في موضوع العلاقة الزوجية في رأيي هذه القواعد العامة هي كالتالي:
١– استمرار العلاقة يكون بالمودة والرحمة.
٢– في العلاقة يجب تجنُّب الشقاق (وهو ليس الخلاف وإنما درجة أشد وأعلى بكثير).
٣– العلاقة تستمر بالمعروف أو تنتهي بإحسان (ولذلك وجب تجنُّب الشقاق).
الأمر الثاني: أن القرآن يدخل في تفاصيل دقيقة أحياناً في مسائل معينة، وهو في هذا يراعي البيئة والزمان الذي نزل فيه، لكن هذه التفاصيل تندرج تحت مفاهيم عامة، هذه المفاهيم هي متجاوزة للزمان والمكان.
مثلاً في قضية التعامل مع الخوف من النشوز، ندخل في تفاصيل دقيقة، ولننظر للأمر كالتالي:
١– النشوز تم ذكره للرجل والمرأة، وكان كل الكلام على التعامل من الخوف منه، وليس على التعامل معه، والتفاصيل التي ذكرت في حالة نشوز المرأة أشد من التفاصيل التي طرحت في حالة نشوز الرجل.
٢– هناك ما دعاني للتفكير في معنى النشوز بشكل عام، وربما المعنى الدارج لدينا (الذي يعني عدم الطاعة) غير دقيق، بل وقد يكون غير صحيح، المعنى الذي فهمته هو أن النشوز (هو الرغبة والميل للغير)، أن نشوز الرجل هو ميله لامرأة أخرى غير زوجته، ونشوز المرأة هو ميلها لرجل آخر غير زوجها، وسنجد أن آية النشوز للرجل جاءت ضمن آيات التعدد، بينما آية النشوز للمرأة جاءت ضمن آيات الانفصال (النشوز لا يعني الوقوع في الفاحشة، وإنما وجود الميل القلبي والعاطفي).
٣– بناء على الفهم السابق للنشوز، ولأن القرآن لم يتكلم عن وجود النشوز، ودائماً سبقه بكلمة (الخوف)، لأن النشوز (الميل القلبي والعاطفي لغير الزوج أو الزوجة) لو وقع فعلاً يكون الأمر قد حُسم، ولأن النشوز إذا حصل عند الرجل يمكن أن يبقي على البيت (دون شقاق)، بينما إذا حصل عند المرأة لا يمكن أن يبقي على البيت (دون شقاق)، كان الطرح في التعامل مع نشوز الرجل ألْيَن.
٤– ما ذكره القرآن من تفاصيل في التعامل مع نشوز المرأة (الموعظة والهجر والضرب)، هي في رأيي تفاصيل دقيقة تراعي الزمان والمكان، ولكنها تندرج تحت مفهوم عام هو أن التعامل مع المرأة يتراوح بين اللين والتجاهل والشدة (ولست هنا ملزماً بتفاصيل هذه المفاهيم التي وردت في الآية، لأنها تكون مثل ما يُعرف بالمثال المحلول، الذي يُعطى لك لفهم القاعدة، وليس لتطبيقه دائماً)، وأن تنفيذ هذا المفهوم وتطبيقه والاختيار بين طرقه هو خاضع لنفسية المرأة ونفسية الرجل، (أي أن هناك نفسيات من النساء قد يفيد معها اللين، وهناك نفسية رجل يستطيع أن يوصل الرسالة باللين).
بينما هناك نفسية نساء لا تصلح معها الشدة، وهناك نفسيات رجال لا يصلح لهم أن يوصلوا رسالة بالشدة، وكل هذا داخل تحت القواعد العامة التي هي تجنب الشقاق، والمودة والرحمة، والاستمرار بمعروف أو الفراق بإحسان.
فمتى ما تعارض أي تفصيل من التفاصيل، أو أي مفهوم من المفاهيم مع قاعدة من القواعد، كان التقديم للقاعدة العامة دائماً، مثلاً لو كان استخدام الشدة في موقف الخوف من النشوز سيؤدي للشقاق، أو ينزع المودة والرحمة إذاً يجب التوقف عنه.
أي باختصار:
– القاعدة العامة هي الأصل.
– التفاصيل تندرج تحت مفاهيم (المفاهيم متجاوزة للزمان والمكان بينما التفاصيل ليست كذلك).
– عند التعارض تقدم القواعد العامة على كل شيء.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.