منذ فترة وضعت قائمة للأشياء الحساسة التي ينبغي عليّ تعليمها لابني منذ البداية حتى تدخل في تكوين شخصيته ويمارسها بشكل طبيعي دون أن يشعر أنها أمليت عليه!
وكنت أقول له: لا تناقش هذا الأشياء مع أحد، وإذا فاتحك أحد فيها لا ترهق نفسك بمناقشة غير مفيدة، وقل فقط: "هذه مشاعر دينية لا تناقش بشكل منطقي"، واسكت وغيّر الموضوع وكبّر دماغك.
في البداية نجحنا سريعاً في موضوع (لحم الخنزير)، وبعد أن نصحته بأن يتجنب أكله دون إظهار ديانته، وأن عليه عندما يتشكك في نوع اللحم أن يأكل سمكاً أو أي أكل نباتي وخلاص، ولكنه لم يسمع كلامي، وكان إذا دخل مطعم المدرسة يقول بكل وضوح إنه لا يأكل لحم الخنزير لأسباب دينية، وكان حظه أن بعض الطباخين مغاربة.
وأذكر أنه ذهب مع المدرسة للمرة الأولى إلى مدينة "كنت" البريطانية عندما كان في العاشرة من عمره، وأنه كان فرحاً؛ لأنه سيكون أخيراً بمفرده، دون ماما وبابا.
وقد ركب الباص من المدرسة حتى القنال الإنكليزي، فنزلت الباصات إلى باطن السفينة، أما هو والتلاميذ فأظهروا الباسبورات وركبوا أعلى السفينة. وبعد ساعتين نزلوا على البر الإنكليزي فركبوا الباصات حتى "كنت"، وهناك ناموا مباشرة من التعب.
وفي الصباح كل شيء أصبح بالإنكليزية، ولا بد أن يعصر ذهنه لتذكر الكلمات التي درسها، فاهتم بداية بتركيب جملة مهمة له، وعندما ذهب إلى الإفطار أشار إلى شرائح السجق، وسأل عامل مطعم الفندق: "?Is that pork "، ضحكت عندما حكى لي ذلك، وقلت لنفسي: نجحت الخطة!
وبعدها انتقلت للخطوة التالية، وهي (التدخين والمخدرات)، وقد مر هذا الموضوع أيضاً بسلاسة ويسر، ربما لأنني أنا نفسي أكره التدخين، وأشعر بصداع من رائحته، وكان هو ولا شك يلاحظ ذلك بشكل طبيعي، والأطفال ولا شك هم أكثر خلق الله دقة ملاحظة!
وآنذاك قلت لنفسي: يبقى الآن موضوعا (الخمور والجنس)، ولأنه يوجد تحذير على تقديم الخمور قبل سن محددة فقد قررت تقديم الحديث في موضوع الجنس، والحقيقة لا أريد استخدام كلمة "الزنا"؛ لأنها قاسية جداً، ولا تستخدم هنا في الغالب، فالأمر هنا مرتبط بالبنت، إذا وافقت فهي صداقة، وإذا رفضت فهو تحرش أو اغتصاب.
ورأيي أن عدم الحديث مع الصبيان قبيل المراهقة عن هذا الموضوع تحديداً وعدم إفهامهم ما يحدث لأجسادهم من تغيرات، هو أحد أهم أسباب التحرش، وهو مرض ذكوري في الغالب، وأحد أسبابه المهمة هو ما أسميه (خَرَس الآباء)، وعدم فتح الموضوع مع الأبناء بعكس ما يحدث بين البنات والأمهات؛ لذا تمر البنات بالمراهقة دون مشاكل كبرى بينما يمرض الكثير من الصبيان بهذا المرض.
لكن المهم هنا أنني لم أجد مدخلاً لذلك حتى أمس، فبسبب الكحة والصداع وعدم القدرة على العمل سيطرت على التلفزيون كالعادة، وبدأت أقلب القنوات بكل اللغات حتى بالإيطالية التي لا أفهمها، ولكني لم أجد أي مباراة لكرة القدم فقررت أن أرى فيلماً، وأن أتجنب ما استطعت قنوات الأخبار!
ولكني لم أجد فيلماً مناسباً، وقبل أن أستسلم تذكرت صفحة لأفلام يبدو أن الكل يعرفها هنا في بروكسل، ولكن ما إن دخلت على الصفحة، وكلما ضغطت على فيلم لأراه تقفز لي أولاً صفحات الجنس ومعها في اللحظة نفسها تحذير من الحكومة البلجيكية بأنني لو دخلتها، فإنني أرتكب جرماً يعاقب عليه القانون، وأنهم يعرفونني ويعرفون عنواني عن طريق وصلة الإنترنت! وكنت كلما أغلقت أحد لينكات صفحات البورن ظهر غيره يصاحبه التحذير نفسه، حتى إذا مللت وقررت إغلاق الصفحة بدأ الفيلم وهو بالمناسبة من أغبى الأفلام التي رأيتها مؤخراً.
وقرب منتصف الفيلم وحينما قررت عدم المتابعة جاء ابني يكلمني، فلما ضغطت لأوقف الفيلم، فُتحت صفحتان أو ثلاث من تلك الصفحات اللعينة ومعها التحذير إياه!
فكان الحل الوحيد أنني أغلقت اللابتوب سريعاً، ولكن الولد لاحظ رد فعلي فسألني: لماذا أغلقت اللابتوب سريعاً؟! فرأيت أن الأسلم أن أخبره بالحقيقة، وبعدها قال ببساطة: "أعرف، أنا أيضاً يحدث معي هذا"، ولأن أحبالي الصوتية محطمة لم يكن لي -على غير العادة- إلا أن أتمهل وأفكر قبل أن أنطق، فقلت له: "وماذا تفعل عندئذ؟"، فحلت عليه السكينة أيضاً، وقال بهدوء مشابه: "أغلقها بالطبع كما تفعل أنت!"، فوجدتها الفرصة المنتظرة للحديث في هذا الموضوع المؤجل، فقلت له: "ولا تراها ولو سراً؟"، فقال بالهدوء نفسه: "لماذا؟"، قلت: "ربما تريد أن تعرف شيئاً ما!"، فقال ضجراً: "خلاص، أنا عرفت كل حاجة عن الجنس في المدرسة، ورأينا فيلماً يشرح ما يحدث بالضبط بين الرجل والمرأة".
ولكم أن تتصوروا هول المفاجأة التي حلت بي، لكني تماسكت، وقلت له: "عرفت كل حاجة عن الجنس وفي المدرسة؟ ورأيتم فيلماً عنه وفي الفصل!"، فقال: "نعم، درسناه في مادة العلوم الاجتماعية، في البداية نظرياً بالصور ثم رأينا فيلماً تطبيقياً (أنيميشن) يشرح ما يحدث بالضبط، من أول الرغبة وانتصاب القضيب ثم التواصل فالقذف والحمل ثم الولادة"، وبعد أن دخلت في نوبة من الكحة والسعال سألته: "رأيتموه أولاداً وبناتٍ معاً؟"، قال: "نعم، عادي، طبيعي، بعضنا ضحك، وأكثرنا أصيب بالقرف، ثم بحثنا عن معاني المصطلحات الجنسية في الإنترنت وأخذنا فكرة".
فسكت لمدة طويلة عذبت فيها نفسي بسبب التخلف عن المواكبة، وكان هو يراقب تعبيرات وجهي وينتظر، فقلت له: "إذن أنت متأكد بالفعل تماماً أنك لا تحتاج مني شرحاً لهذا الموضوع، موضوع الجنس؟"، فقال: "لا أحتاج، شكراً، ولكني منذ فترة كنت أتضايق؛ لأنك أحياناً ودون سبب تقف خلفي لترى ماذا أفعل على اللابتوب، وفقط بعد أن درسنا موضوع الجنس عرفت لماذا تفعل هذا، فأرجو أن تتوقف، فأنا لا أرى مثل هذه الصفحات وليست لديَّ رغبة في الحديث عن هذا الموضوع، لأنني عرفته وعرفت أنه غير مناسب لي الآن وخلاص"، قلت له: "عندك حق"، وقررت أن أقبل رأسه وأتركه ثم تراجعت عن التقبيل، والآن أفكر أن أضع رقابة على الإنترنت في البيت، ولكن من المصدر.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.