وجودية الموت وتذكرة العبور الدائمة

من البديهي أن تكون قد خطرت ببالك في يوم من الأيام فكرة الرحيل عن هذا العالم، لكن الإشكال يكمن في الخطة المباغتة للقدر، في اختيار الشخص وتحديد المكان والزمان، لكل منا أجل مقضي وآخر مسمى، لكن نخشى ما نخشاه من فجائية وصدمة الموقف.

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/13 الساعة 04:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/13 الساعة 04:26 بتوقيت غرينتش

للموت وجودية وحتمية تجعلك تترك كل حساباتك التافهة جانباً، تتخلى عن كل شيء في لحظة من اللحظات.. لكن يبقى الموت الشيء الوحيد الذي يوجع الأحياء أكثر من غيرهم، فمـع كل موت يموت جزء منا، ربما ليس بمقدورنا معرفة أي الأجزاء منا هو باقٍ، وأي منها رحل دون عودة، لكننا نستشعر ذلك الجزء المفقود فينا حين نغوص في دروب الفقد، فوجع الشوق والحنين لمن هم تحت التراب يميت الحياة فينا، ربما الحياة لا تتوقف على لحظة أو لسبب.. تمضي رغماً عنا، لكنها تنقص بغياب من سرقهم الموت من بين أحضاننا.

من الصعب جداً نسيان مَن تقاسمت معهم الحياة، بحلوها ومرها، يستحيل ألا تتذكرهم في جل اللحظات التي تتعثر فيها حين تفتقد تلك اليد التي كانت تمسكك كلما أوشكت على السقوط، تلك اليد التي تسحبك من وسط الزحام؛ لتخبرك أنها لن تفلتك مهما كلف الأمر، تلك اليد تمسح دموع الفزع فيك دون ملل، لكن للموت رأي آخر لا يوافق أمانينا.

من البديهي أن تكون قد خطرت ببالك في يوم من الأيام فكرة الرحيل عن هذا العالم، لكن الإشكال يكمن في الخطة المباغتة للقدر، في اختيار الشخص وتحديد المكان والزمان، لكل منا أجل مقضي وآخر مسمى، لكن نخشى ما نخشاه من فجائية وصدمة الموقف.

فالموت يسرق أجمل وأطيب الثمرات في غفلة منا، ربما في أحيان كثيرة لا يعطينا الحق في كلمة وداع أو ما شابه ذلك.. هكذا بكل بساطة رسائل المحبة لا تقبل التأخير، فللموت تذكرة عبور دائمة.

نقوى تَارة متسلحين بترياق الصبر، إيماناً واحتساباً منا بالقدر والقضاء خيره وشره، ولكننا ننكسر مرات عدة، حين تحاصرنا الذكرى، ويملأنا الحزن، مرت سنة على رحيلك وكأنه الأمس، ومرارة الفقد توجعني أكثر فأكثر، خريف سنة تختزله الذكرى في يوم وداعك، علّتي أن النسيان هجرني منذ آخر قبلة على جبينك، فكيف لي أن أنسى أحاديثك ووجهك البشوش وتلك الطيبة اللامتناهية.. كيف لي أن أنسى كل ذلك، كل التفاصيل الصغيرة والكبيرة التي امتلكتها؟ مؤلم هو حقاً ذلك الحنين إليك.

في لحظة تقول أيعقل أنني أنا من كنت صامداً لأتقبل ذاك الكم من العزاء، مواسياً الكل، من أي طينة أنا كي يحدث ذلك؟!

لكن الحقيقة غير ذلك، أي واقع هذا الذي لا يقبل التغيير، لقد رحلوا دون رجعة، لتختفي بعدها، وتستسلم لدموعك، لشرنقة الحزن المالح، للشعور بالضيق، وغيرها من الأحاسيس التي تجتاحك في تلك اللحظة، ربما لا جدوى من البحث عمن يواسيك حينها فلا أحد سيجديك نفعاً غير يقينك التام بأن الأمر كله بيد الله، وأنه الواحد القادر على مواساتنا في كل المحن.

وطالما لم ينتهِ سطر حياتك بعد، ولم تضع الحياة نقطة نهايتك، احرص على ألا تكون متكبراً أو متجبراً بأي شكل من الأشكال، فقد يحصل ما لا تتوقع حصوله أبداً، ستستمر بقول لقد متّ ومع ذلك تعيش، إنه عالم غريب بهذا الشكل!

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد