رمضان مخلصش

720 ساعة فقط هي رمضان رمضان الشهر الأوحد الذي تظهر فيه معادن وبواطن النفوس.. فصفدت فيه الشياطين؟ فإما نفس أمارة بالسوء أو لوامة أو مطمئنة، رمضان الذي أكرمنا الله به لنلتقط أنفاسنا من سباق الحياة في هدنه نقضيها مع الله، أو الأصح نقضيها بتلبية دعوة كريمة من رب العالمين.

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/13 الساعة 05:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/13 الساعة 05:14 بتوقيت غرينتش

رمضان الذي تتغير فيه نواميس الكون بإذن ربها إلى حالة من النقاء، والهدوء، والسماحة، رمضان الذي جاء يغمر البشرية بالسكينة والمغفرة والرحمة، فيغسل ذنوب المؤمنين، ويرفع درجات المتقين، يخفف عن الفقراء إصرهم، ويطهر الأغنياء بعطاء أموالهم، ويفتح خزائن رحمات الله لتتنزل على عباده الصالحين، رمضان هذا الشهر العظيم الذي إن حل وأكرمنا الله ببلوغه لوعينا بحق معاني البركة الحقيقية في العبادات والطاعات والصيام والوقت والصحة والقدرة.

720 ساعة فقط هي رمضان
رمضان الشهر الأوحد الذي تظهر فيه معادن وبواطن النفوس.. فصفدت فيه الشياطين؟ فإما نفس أمارة بالسوء أو لوامة أو مطمئنة، رمضان الذي أكرمنا الله به لنلتقط أنفاسنا من سباق الحياة في هدنه نقضيها مع الله، أو الأصح نقضيها بتلبية دعوة كريمة من رب العالمين.

رمضان شهر السلام الروحي بينك وبين العالم الخارجي، ففيه حالة من الصفو وارتفاع من المنزلة الدنية التي أوقعتنا فيها فتن الدنيا.

– تفتح أبواب الجنة كما ذكر رسولنا الكريم (إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة) تخيل هذه المنه العظيمة التي يرزقنا الله بها.

– ذلك المكان الذي يشغل بالنا ليل نهار في سجودنا وقيامنا وركوعنا، ندعو المولى بأن يرزقنا إياه فيمُن علينا في هذا الشهر المبارك بفتحها لكل طالب.

– الجنة ذات الريح الطيب تنعكس على أيامنا في رمضان، على حياتنا اليومية بالسكينة والهدوء والسعادة والرضا والأمل.

– لكي نبلغ رمضان بلوغاً طيباً، يجب أن نستشعر هذا الشهر المبارك ومكانته الحقيقية عند الله عز وجل.

فحب رمضان وانتظاره، والفرح به يفتح باب الإحساس بقيمة هذا الشهر.

استشعارنا بالأجر العظيم من صيام وسائر الواجبات، المعاهدة الحقيقية مع النفس لإصلاح القلب مما ران عليه في أول ليلة من رمضان، الإعلان بالصفح والعفو عن الآخرين، وبخاصة مع من أساء إليك، تطهير القلب من الحسد، فهو أكبر الأبواب التي يلج منها الشيطان، الثقة بموعود الله في كل ما جاء عنه سبحانه، وما جاء عن رسوله المصطفى صلوات الله عليه وسلامه.

كل هذه بنود لميثاق الطاعة بينك وبين نفسك وربك.

اعلموا أن الصوم يدعو إلى:

1. وحدة الهدف والغاية، فالهدف: العبودية، والغاية: تقوى الله.

2. وحدة الضمير، فالصوم يؤدَّى بنية صادقة، في ضوء مراقبة الله سبحانه وتعالى.

3. وحدة الشعور بالمسؤولية، فالإحساس بالمسؤولية التضامنية في المجتمعات، والشعور بآلام المسلمين واجب، والمشاركة الوجدانية والمادية في تفريج كروبهم ومناصرتهم واجب.

4. وحدة الصف، تتجلَّى في تربية الصائمين على الخشونة والصبر وقوة الإرادة واحتمال المتاعب، فلا مجال للترف والإسراف، بل سبيل الصائم التقشف وضبط النفس والحسم والعزم.

5. الصوم ثورة تصحيح وتغيير في المجتمع المسلم، وتتجلى في تغيير الطعام والشراب وضبط الوقت عند الإفطار والإمساك، وفي السلوك التربوي، والقيم العالية في البيت والشارع والعمل، والاعتكاف في ساحة العبودية.

• رمضان فرصة عظيمة للتغيير
للإحساس بالقيمة الحقيقية لشهر رمضان يجب أن نصارح أنفسنا، هل نحن راضون عن الحالة التي نعيشها؟

لو تأمل كل منا ذاته واستقرأ حياته وأوضاعه، لوجد أن الدنيا قد تمكنت منا بفتنها ولذاتها، فقد ضللنا الطريق.

إن أنفسنا لتشتاق للمصارحة والمحاسبة والمراجعة، تلحق عن فرصة للمكاشفة والتأمل نُتيحها لأنفسنا، لنفتح عن ذاتنا ونلامس خباياها وأعماقها، ورغم ذلك لنجد أن معظمنا يهرب من هذه الوقفات. لماذا؟

أولاً: الغرق في المواقف الحياتية والانشغال بها.

ثانياً: التهرب من القرارات التغييرية الناتجة من المحاسبة والمكاشفة.

لذلك، رمضان فرصة للتغيير، كما قال عمر بن الخطاب (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا).

مراجعة فكرية، مراجعة نفسية، مراجعة اجتماعية وسلوكية.

ولا يوجد شهر آخر يماثل شهر رمضان في إجراء المراجعات، فيقف فيه الإنسان مع نفسه متدبراً متأملاً حاله، الكل مشغول في سباقه خلال الشهر الكريم، ممتنعين عن الطعام والشراب والشهوات خلال يومنا، مما يعطينا فرصة حقيقية للانتباه نحو ذاتنا وأنفسنا، وتلك الأجواء الروحية التي تحث وتساعد للاستفادة من هذا الشهر الكريم.

• رمضان إدراكه نعمة
إن من أعظم النعم التي ينعم الله بها على عباده، أن يبلغهم أيام الطاعات ومواسم الخيرات ونزول الرحمات، ليتزودوا من الحسنات ويستغفروا عما بدر منهم من الذنوب والسيئات، ويتعرضوا للنفحات فلعلها تصيبهم نفحة فلا يشقوا بعدها أبداً.

(فإنه التجارة الرابحة)
أهل التجارة في الدنيا يسعون لموسم البيع والربح، ويجتهدون قبلها بأيام بل بأشهر، لكي لا يفوتهم الربح، فما بال الذين يتاجرون مع الله لا يستعدون ولا يتأهبون وعن الفضائل غافلون.

(فإنه أمنية أهل القبور)
كم يتمنى أهل القبور أن يعودوا إلى الدنيا ليدركوا هذه الأيام المباركات، فيعمروها بطاعة الله، لترفع درجاتهم وتمحى خطيئاتهم، ويعتقون من النار، وكم من مؤمل منا لبلوغ شهر رمضان حان أجله وقبضت روحه قبلها.

فيا الله كم فاته من الخيرات، اللهم لا اعتراض، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

(فإنه فاق أجر الشهيد)
من أشهر الأحاديث الدالة على عظم هذا الشهر المبارك، ما روي أن رجلين قدما على رسول الله (ص) وكان إسلامهما معاً، وكان أحدهما أشد اجتهاداً من صاحبه، فغزا المجتهد منهما فاستشهد، ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفي، قال طلحة: فرأيت فيما يرى النائم كأني عند باب الجنة، فإذا أنا بهما، وقد خرج خارج من الجنة، فأذن للذي توفي الآخر منهما، ثم خرج فأذن للذي استشهد ثم رجعا إلي، فقالا لس: ارجع فإنه لم يؤذن لك بعد.

فأصبح طلحة يحدث بها الناس، فعجبوا لذلك، وبلغ رسول الله (ص) فقال "من أي ذلك تعجبون؟"

قالوا: يا رسول الله هذا كان أشد اجتهاداً ثم استشهد في سبيل الله ودخل الجنة قبله؟ فقال "أليس قد مكث هذا بعده سنة؟" قالوا: بلى، وأدرك رمضان فصامه؟ قالوا: بلى، وصلَّى كذا وكذا سجدة في السنة؟ قالوا: بلى. قال رسول الله (ص): "فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض".

فيا لها من نعمة عظيمة أن ندرك هذا الشهر، وأن ندرك الليلة العظيمة التي قال عنها ربنا (ليلة القدر خير من ألف شهر)، فهذا فضل ليلة واحدة.

فهو موسم عظيم من مواسم الخيرات نتزود بالطاعات نستعد به للآخرة، كأن نعمل ما نستطيع من الخير، نتصدق في سبيل الله، ألا تفوتنا تكبيرة الإحرام في رمضان، لا نترك وقتاً يجاب فيه الدعاء إلا وندعو فيه، نكون حازمين فيما يوقفنا أو يؤثر علينا وعلى عباداتنا، الحفاظ والالتزام في صلاة التراويح والاستشعار بالوقوف بين يدي الله، الجلوس في المسجد بعد صلاة الفجر، الاعتكاف ولو العشر الأواخر من رمضان، فهو سنة المصطفى، وهناك المئات من الوصايا والأفكار التي تحتاج منا الإخلاص والجد والعمل لاستغلال هذا الشهر المبارك.

في النهاية.. كل عام وأنتم بخير، بارك الله لكم في شهر الخيرات، وأتمَّه عليكم بالصحة والعافية، فلا تنسونا من الدعاء، وخصصوا الدعاء برفع الغمه عن هذه الأمة، والتمكين لكتاب الله عز وجل ونصرة الإسلام وفك الكرب عن أحبابنا في سوريا، وغزة، وأهلنا في سجون الانقلاب العسكري في مصر، وأن يجمعنا بكل أحبتنا قريباً في نصر وعزة.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد