أين العدل ليحيا؟.. 6 “إعدام”

ما الداعي لإنشاء محاكم استثنائية تستطيع المحاكم صاحبة الاختصاص النظر والبت فيها؟ ولماذا تُصر السلطة التنفيذية على استخدام هذه الدوائر بصورة خارج إطار القانون وبشكل لا يقل إجراماً عن عمليات القتل العشوائي والتصفية الجسدية والقتل بدم بارد المنتشر كالنار في الهشيم على أرض مصر؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/13 الساعة 07:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/13 الساعة 07:50 بتوقيت غرينتش

لقد أجمعت الشرائع السماوية وكافة دساتير الدول والتشريعات الدولية على أن لكل إنسان الحق في الدفاع عن نفسه في حال اتهامه بارتكاب فعل يعاقب عليه القانون، ويعتبر هذا الحق من الحقوق الأساسية لكل إنسان على أي أرض، وتحت أي سماء.

بموجب قرار وزير العدل الصادر في 26 ديسمبر/كانون الأول 2013 بعد توجيه الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور تشكلت 6 دوائر استثنائية بشكل انتقائي صدر لاحقاً قرار بإضافة دوائر أخرى بغرض محاكمة كل معارضي النظام السياسي القائم بعد الانقلاب العسكري.

أصبحت تلك الدوائر في حد ذاتها من الناحية القانونية ابتداءً غير مختصة بنظر القضايا باعتبارها محاكم غير قانونية، وتفتقر لمعايير الحياد والاستقلالية، ولعل ممارساتها وما صدر عنها من أحكام أكدت أنها لا تعدو أن تكون أدوات تعمل وفق ما تحدده السلطة التنفيذية خارج إطار القانون قبل الواجب الوظيفي.

أحكام قاسية وإعدامات بالجملة في محاكمات هزلية واتهامات لا مصدر لها إلا محاضر وتحريات الشرطة التي استقر داخل أروقة محكمة النقض المصرية أن محاضر وتحريات وشهادات رجال الشرطة لا يمكن الارتكان إليها كدليل إدانة، وخصوصاً في قضايا تتسم أحكامها بالقسوة بالإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة.

لم يخرج عن إطار عمل تلك الدوائر الاستثنائية العاصف بالحد الأدنى من القانون ما صدر عن محكمة جنايات المنصورة في القضية رقم 781 لسنة 2014 المتهم بموجبها 24 شخصاً والمعروفة إعلامياً (قضية مقتل الحارس) بإعدام 9 والأشغال الشاقة المؤبدة بحق 14 وآخر بالسجن المشدد 10 سنوات.

على مدار 12 جلسة نظرت هيئة المحكمة فيها الدعوى لم تنظر إلى ما تعرض له المتهمون من عمليات اختفاء قسري مثبتة ببلاغات ذويهم، وكذلك عمليات التعذيب الوحشي التي ظهرت آثاره على كل من: أحمد الوليد، ومحمود وهبة، وخالد عسكر.

في فيديو وزارة الداخلية المنشور بتاريخ 16 مارس/آذار 2014 – بعد عملية اختفاء أكثر من 10 أيام – وأطلقت الوزارة على محتوى الفيديو اعترافات المتهمين في عملية قتل رقيب الشرطة عبد الله متولي بمدينة سندوب بالمنصورة في 28 فبراير/شباط 2014.

كما لم تحرك المحكمة ساكناً عندما نزع خالد عسكر ثيابه أمام هيئة المحكمة ليرى الجميع آثار التعذيب الوحشي – تجريم التعذيب المادة 129 قانون العقوبات المصري – على جسده في فترة اختفائه القسري هو ومن معه في القضية، وأنهم أُجبروا على الاعتراف بارتكاب الجريمة تحت وطأت التعذيب قبل أن يعدلوا عن تلك الاعترافات منعدمة الأثر كونها جاءت تحت التعذيب كما نصت المادة 302 من قانون الإجراءات الجنائية.

هذا بالإضافة إلى تضارب محاضر الشرطة مع ما جاء في فيديو اعترافات المتهمين من أن عملية استهداف المجني عليه كانت عن طريق استقلال دراجة نارية، على عكس ما جاء في تقرير الطب الشرعي من أن الاستهداف كان من موقع سكون وليس متحركاً، وفيما يخص الأحراز لم تُدرج الأسلحة والذخيرة الموجودة في فيديو الوزارة في أوراق القضية، واكتفت الوزارة بماسورة حديدية وسلاح ناري فقط.

أما عمليات القبض التي تمت دون إذن النيابة العامة فكانت في أيام 4 و5 و6 مارس/آذار ومن مناطق مختلفة على عكس ما جاء في محاضر الضبط من أنه تم إلقاء القبض على المتهمين من شقة بالمنصورة.

مخالفات تمثل الواحدة منها سبباً معتبراً لدى محكمة النقض لإلغاء تلك الأحكام وإعادة إجراءات المحاكمة أمام دائرة أخرى كما هو الحال في الأحكام الصادرة من دوائر الإرهاب وبنفس الأسباب المتوفرة في قضية قتل الحارس.

ولكن وبصورة صادمة صدر قرار محكمة النقض بالقاهرة برئاسة المستشار مجدي أبو العلا بتاريخ 7 يونيو/حزيران 2017 برفض الطعون المقدمة وتأكيد حكم الإعدام بحق 6 واستبدال حكم الإعدام بالأشغال الشاقة المؤبدة على متهمين اثنين، ويتبقى آخر صادر ضده حكم إعدام غيابي، وباقي أحكام القضية إما بالتثبيت أو بالاستبدال بعقوبات لا تتسم بالرحمة في حق من حُرموا من كافة حقوقهم، ابتداءً بحقهم في التعبير عن الرأي ورفض سياسات النظام السياسي ومروراً بحقهم في الدفاع عن أنفسهم.

لنصبح أمام خطر حقيقي بمظلة قانونية يستهدف حياة ٦ شباب من الدارسين أو الخريجين من جامعات القمة وأصحاب سمات شخصية وخُلق رفيع يشهد به المحيطون بهم.

نتجاوز الحديث عن سمات هؤلاء الشباب الشخصية ونُركز على مطلب بسيط جداً من حق أي إنسان أن يحصل عليه، وهو أن تُنظر دعواه أمام محكمة طبيعية مستقلة تمكنه من الدفاع عن نفسه بعيداً عن أي إجراءات أو تأثيرات سياسية.

ما الداعي لإنشاء محاكم استثنائية تستطيع المحاكم صاحبة الاختصاص النظر والبت فيها؟ ولماذا تُصر السلطة التنفيذية على استخدام هذه الدوائر بصورة خارج إطار القانون وبشكل لا يقل إجراماً عن عمليات القتل العشوائي والتصفية الجسدية والقتل بدم بارد المنتشر كالنار في الهشيم على أرض مصر؟

ما الذي يمكن أن تجنيه السلطة التنفيذية من هذا التوحش وهذا التوغل على السلطة القضائية بصورة جعلت الحديث عن العدالة في مصر أضحوكة عند البعض والبعض الآخر لا يراها إلا خيالاً صعب المنال؟

فلا عدل في مصر إلا في شكل الظلم؛ إما أن تسجن أو تطارد أو تفقد الشعور بالأمان، وعند القتل إما بالتعذيب أو بالتصفية الجسدية أو بالحرمان من العلاج أو طلقة من سلاح ضابط أو أمين عكر صفوه مواطن طلب منهم أن يحترموه كإنسان.

الكفر بالعدالة وفقدان الأمل في الحياة طريق لا تستقيم معه الحياة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد