المجتمع لا يرحم، كلمات نتداولها بشكل كبير في حياتنا اليومية، نذكرها وفي داخلنا نوع من الخوف والغضب الخفي وكأنه وحش خارق يتمنى الجميع أن يقاتله ويفوز بالمعركة ليصبح حراً من قبضته، لِم يخيفنا إلى هذا الحد! لِم يحصل على القدر الأكبر من التبجيل والاحترام! من يكون؟!
في حقيقة الأمر، هو عبارة عن مجموعة من الأفراد مترابطين فيما بينهم بعلاقات متفاوتة القرابة، هؤلاء الأشخاص هم أنت وأفراد أسرتك، معارفك وأصدقاؤك، أنت تعرفهم حق المعرفة.
هذا المجتمع الذي نشكو من سلبياته في عمقه يعكس صورنا فقط، هو نحن بكل بساطة، نحن من نشكّله ونرسم قوانينه ونخط أقداره بأيدينا، ألا يبدو الأمر غريباً؟ ما دام هو نحن فكيف لنا أن نخاف من أنفسنا ومن المحيطين بنا لدرجة أننا نطمس هويتنا ونغيّر معالم حقيقتنا للحفاظ على ذاك المظهر؛ لتبقى صورنا أجمل ولنحصل على العدد الأكبر من الحلفاء والمساندين لنشعر بالكمال والمثالية.
لوهلة تشعر كأننا ممثلون بارعون نتهافت للحصول على الأدوار البطولية، "مركزي أكبر من مركزك"؛ "أقطن حياً راقياً وأنت تسكن حياً شعبياً"؛ "ملابسي ماركات عالمية وملابسك من الطراز القديم"؛ "أنا ملك الأناقة وأنت تفتقر إلى الذوق"… وأشياء كثيرة جداً تُشعرك بكمية هائلة من الاشمئزاز والسخافة لا قيمة لها ألبَتَّة غير أنها تُضخّم الأنا وتبرز النفس الزائفة بشكل أكبر.
الأدهى من ذلك، أننا كلما هممنا بفعل شيء نفكر مَلياً فيما سيقوله الناس عنا؛ هل يتماشى مع قوانينهم أم لا؟ كأننا نقدم فروض الطاعة والولاء ونتقرب إلى آلهتنا بقربان ابتغاء مرضاتهم! لا تستغرب كثيراً، هو إلهُك المفضل على الإطلاق، يُشعرك بقمة الرضا والسعادة عندما يُثني عليك، هو في قلبك أكبر من أي شيء آخر، كن شجاعاً واعترف بالأمر لنفسك.
كثيرون هم من ضحوا بحياتهم بسعادتهم في سبيل إِلههم، كان حبهم صادقاً ودرجة إخلاصهم عالية، هناك من أرادوا رسم طريقهم الخاص بمواهبهم، أرادوا أن يكونوا مبدعين فنانين أو أي شيء آخر يحبونه، لكن قاعدة المجتمع تقول: لتكون محترماً ذا مركز مرموق عليك أن تكون طبيباً أو مهندساً لتعيش بكرامة، وأن الإبداع والفن بشتى أنواعه مضيعة للوقت ودخول ذاك المجال يجعلك متجرداً من الأخلاق لا قيمة لك ونَسُوا أننا خُلقنا مختلفين لنحقق التوازن في العالم وأن كلاً منا جاء لرسالة معينة عليه اكتشافها.
هناك قاعدة أخرى تقول إن الرجال لا يبكون؛ لأن بكاءك -سيدي- دليل على ضعفك وانهزاميتك، شُدَّ أَزْرك وكن صلباً حديدياً؛ كي لا تسمح للآخرين بقنص الفرص للاستهزاء بك واستغلال عجزك، فأنت -يا عزيزي- مخلوق فضائي خارق يجب ألا تعتريك المشاعر مطلقاً.
اكْبت واصمت ثم أخرج غيظك ومكبوتاتك وعُقدك الدفينة على المستضعفين من حولك، بالمناسبة المرأة تعتبر المستضعف الأكبر في قانون الآلهة المزعومة "المجتمع"، هي كائن شديد الوَهن فاقد للأهلية والرُّشد، دائماً ما تحتاج إلى وصي عليها ليوجه مسارها، هي غير قادرة على اتخاذ قرارات، ليست أهلاً للثقة كيف ذلك وعقلها ناقص تُلعن من كل صوب وحدب إن لم تُطع زوجها ولم تلبِّ رغباته، وعليها طلب الصفح لأن رضاه عنها يدخلها الجنة وغضبه يجعل مصيرها النار!
أنتِ -عزيزتي- مجرد جسد بلا روح، مُعَد لإشباع الرغبات والطاعة العمياء المطلقة، مصيرك أسود قاتم لا نور ولا أمل فيه منذ البداية، كثيرات هن من تنازلن عن حق السعادة والعيش بكرامة ورضخن لضغوط المجتمع، أنت بشعة، ما الفائدة من الدراسة والعمل فنهايتك بيت زوجك بين الطبخ والأولاد!
أنتِ عانس، عليك أن تقبلي بمن يتقدم لك؛ لأن فرصك تقِل.. فجأة يتسلل لأعماقها اليأس وسُمّ الكلمات القاتلة ويصير قلبها وَهناً يتوق إلى الفرار من ذاك الألم وتخاف من أن ينبذها إلهها المزعوم لتبقى وحيدة غريبة فتقرر أن تنساق في عالمهم حتى وإن لم تكن راضية، لكنها تقبل بقواعد اللعبة المزيفة تتألم كثيراً تندب حظها أكثر، تفكر في أنها واقعة بشِراك الحسد أو السحر، تتخبط في أمواج عاتية من الشكوك والآلام ثم تندم في النهاية على تنازلاتها ولا ينفعها الندم حينها.
هذه المشاهد الفظيعة نواجهها كل يوم ونتعايش معها، متى نستيقظ من غفوتنا ونواجه هذا الزخم الهائل من الجهل، المجتمع لا يخيف إلا إن سمحت له أنت بتخويفك، هو مجرد وهْم أنت صانعه، بإمكانك هدمه، وتأكد أنهم مهما تحدثوا عنك بالسوء فلن يضروك ولن يتذكروك في نهاية اليوم؛ لأنهم سيعودون لقوقعة مشاكلهم الخاصة.
لذا، عِش كما تريد لا كما يريدون هم، إن كنت تعبد الله الحق فلن ترى غيره ولن يهمك رأي الناس فيك؛ لأنهم مجرد عباد مثلك، لذا كن أنت، كن حُرّاً، كن شجاعاً، كن عبداً صادقاً، واعرف إلهك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.