إن أحد أهم أهداف التربية الجنسية للطفل هي حمايته من التحرش الجنسي، ولذا فإننا سنعرض في الصفحات التالية لهذه القضية بالتفصيل، بدءاً من مفهوم التحرش الجنسي والذي سنفاجأ بأنه أوسع من كثير من تصوراتنا وأفكارنا حول الموضوع الذي فضلنا أن نبدأ به؛ حتى نعلم جميعا عما نتحدث.
التحرش الجنسي
يطلق اسم التحرش الجنسي "Sexual Abuse" على كل إثارة يتعرض لها الطفل/الطفلة عن عمد أو غير ذلك من مثيرات، وهو عملية أشمل وأوسع من مجرد الاغتصاب والممارسة الجنسية، وهذا النوع من الاستغلال يشمل أياً من الأمور التالية:
- كشف الأعضاء التناسلية أو تعمد ملامستها.
- إزالة الملابس والثياب عن الطفل.
- حث الطفل على ملامسة أو ملاطفة جسدية خاصة لشخص آخر.
- التلصص على الطفل.
- تعليم الطفل عادات سيئة كالاستمناء مثلاً.
- تعريض الطفل لصور فاضحة (جنسية أو عارية… إلخ)، أو أفلام.
- إجبار الطفل على أعمال شائنة وغير أخلاقية كإجباره على التلفظ بألفاظ فاضحة.
- الاغتصاب والاعتداء الجنسي في صوره الطبيعية والشاذة.
هذا ويعتبر التحرش الجنسي -إذا ما حدث في إطار العائلة من خلال أشخاص محرَّمين على الطفل- خرقاً للمحرمات المجتمعية أو ما يعرف بـ"التابوه" المجتمعي حول وظائف العائلة، ويسمى "سفاح القربى" أو "قتل الروح" حسب المفاهيم النفسية؛ وذلك لأن المعتدي يُفترض عادةً أن يكون حامياً للطفل.
سِنّ تعرض الطفل للتحرش
في سن الطفل/الطفلة الصغيرة (2-5) سنوات، قد يقع الطفل/الطفلة في براثن المتحرشين في أوقات انفرادهم به في أي فرصة ولو قصرت، ووقوعه تحت التهديد أو الإغواء، مع عدم توعيته من قِبل الوالدين، وغياب الأمر عن أذهانهم، قد يسمح بتكرار الأمر دون أدنى علم من والدي الطفل.
في العمر الأكبر (6-12) عاماً، تسهم العوامل السابقة نفسها في تيسير الأمر على المتحرش، وقد يسهم الطفل نفسه في تهيئة المناخ الملائم للتحرش بتتبعه لفترات غياب الوالدين أو انشغالهما لمشاهدة صور ما أو مشاهد ما، أو محاكاة شيء ما علَّمه له أحد أصدقائه، أو الانفراد بأحد لتجربة شيء أغواه به المتحرش.
وعلى كل، فالطفل الذي يتحرى غياب والديه؛ ليفعل أو يُفعل به مثل هذه الأمور، هو طفل لا توجد علاقة قوية أو صداقة حميمة تربطه بوالديه أو أحدهما، فصداقة الطفل لوالديه وشعوره بالأمان معهما يحميانه من الكثير من المشكلات، ويجعلان باب الحوار بينه وبين والديه مفتوحاً دائماً بما لا يسمح بوجود أسرار بينهم.
المتحرش أو المعتدي
لمعتدي حسب تعريف العلماء، هو شخص يكبر الضحية بـ5 سنوات على الأقل، وله علاقة ثقة وقرب بالضحية، وقد دلت الدراسات على أن أكثر من 75% من المعتدين هم ممن لهم علاقة قرب مثل: أب وأخ وعم وخال وجد أو من المعروفين للضحية.
أماكن تعرض الطفل للتحرش
في السن الصغيرة (2-5) سنوات، يكون الاعتداء على الطفل/الطفلة غالباً على يد أقرب من يتولون رعايته دون رقابة، كالمربية والسائق والخدم أو المراهقين في العائلة أو أطفال الجيران والأقارب الذين قد يُترك معهم الطفل في خلوة.
وربما يكون المتحرش هو التلفاز بقنواته الفضائية غير المراقَبة من الوالدين والتي قد يُترك أمامها ليشاهد أشد المشاهد الجنسية لفتاً له، فيقوم بمحاكاتها فور أن تسنح له الفرصة.
أما في السن (5-12) سنة، فقد يتعرض الطفل/الطفلة للتحرش من كل من يمكن أن يختلط بهم دون رقابة من الأصدقاء وأبناء الجيران والجيران والأقارب والسائقين والخدم.
وإغواء الطفل في هذه السن قد يكون مصحوباً بتهديده بتعرضه للضرب أو العقاب أو القتل إذا باح لأحد، أو بتخويفه بأن الوالدين قد يعاقبانه أو يؤذيانه إذا علما بالأمر، أو قد يتم إغراؤه بالمال أو الهدايا أو الحلوى، كما أن حب الطفل للتجربة والمعرفة واكتشاف كل مجهول قد يكمن وراء إمكانية سقوطه ضحية للمتحرش في معزل عن والديه.
حيل المتحرشين
تشير الدراسات إلى أن الجاني عادة ما يتعامل مع الطفل الضحية بإحدى طريقتين:
- الأولى: تعتمد على الإغراء والترغيب.
- الثانية: تقوم على العنف والخشونة.
وفيما يتعلق بالاعتداء الجنسي في كلا المسلكين، فإن الجاني يحرص على أن يختلي بالطفل حتى يتم مراده، ولتحقيق هذه الخلوة عادة ما يغري الطفل بدعوته إلى نشاط معين كممارسة لعبة مثلاً، مع الأخذ في الاعتبار أن معظم المتحرشين جنسياً بالأطفال هم أشخاص ذوو صلة بهم، وحتى في حالات التحرش الجنسي من أجانب -خارج نطاق العائلة- فإن المعتدي عادة ما يسعى إلى إنشاء صلة بأم الطفل أو أحد ذويه قبل أن يعرض الاعتناء بالطفل أو مرافقته إلى مكان ظاهر بريء للغاية؛ كساحة لعب أو متنزه عام.
وإذا صدرت المحاولة الأولى من بالغ قريب كالأخ أو أبناء العم أو أي قريب آخر وصحبتها طمأنات مباشرة للطفل بأن الأمر لا بأس به ولا عيب فيه- فإنها عادة ما تُقابل بالرضوخ والاستجابة لها؛ وذلك لأن الأطفال يميلون إلى الرضوخ لسلطة البالغين، وخصوصاً المقربين لهم، ولكن هذه "الثقة العمياء" من قِبل الطفل تنحسر عند المحاولة الثانية، وقد يحاول الانسحاب والتقهقر، ولكن التحذيرات المرافقة تكون قد سيطرت على الموقف واستقرت في نفسية الطفل وسيحوّل المتحرش الأمر إلى لعبة "سرنا الصغير" الذي يجب أن يبقى بيننا.
وتبدأ محاولات التحرش عادة بمداعبة المتحرش للطفل أو أن يطلب منه أن يلمس أعضاءه الخاصة، محاولاً إقناعه بأن الأمر مجرد لعبة مسلية وأنهما سيشتريان بعض الحلوى حالما تنتهي اللعبة. وفيما يخص الطريقة التي تعتمد على العنف والتهديد، يقوم المعتدي بتهديد الطفل بفضحه أو ضربه ما لم يستجب لنزواته ورغباته. ومن هنا، يستجيب الطفل للمتحرش به تحت ضغط هذا التهديد ويظل الأمر سراً دفيناً يحتفظ به الطفل، وتظل التجربة تحمل له كل معاني الخزي والألم وتكون سبباً في مشكلات نفسية لا حصر لها.
كيف تحمين طفلك الجميل من التحرش بشكل عملي؟
أولاً: احرصي على ألا يكون لأي فرد -مهما كان- انفراد بطفلك، فالمتحرش لا يفعل فعلته على مرأى من أحد غالباً؛ بل على انفراد بالطفل.
إذا كانت هناك حاجة لدخول أشخاص آخرين دائرة العناية بالطفل؛ مثل: السائق والخادمة وبواب المدرسة أو الحضانة وغيرهم ممن يطلق عليهم care givers- فينبغي عدم السماح لهم بالتعامل معه إلا تحت نظر الوالدين، وأن يكون ذلك بعيداً عن الأماكن المغلقة، وفي حالة عدم وجود الوالدين لا بد أن يوجد الطفل في مجموعة، فمثلاً أن تكون الحافلة بها رقابة تابعة للمدرسة لا تسمح بأن ينفرد الطفل مع السائق مثلاً مطلقاً.
ثانياً: أفضل ألا يذهب طفلك للحضانة قبل أن يمكنه الكلام والتحدث معك وفهم توجيهاتك التي ستتضمن توعيته بما يأتي (هذه التوعية تناسب الأطفال من سن سنتين إلى 5 سنوات):
· الفرق بين اللمسة الصحية واللمسة غير الصحية.
Healthy Touch & Unhealthy Touch
·خصوصية أجزاء جسمه واختلاف بعضها عن بعض، وتوضيح ذلك كالتالي:
1. اللمسة الصحية
هي ما لا يسبب أمراضاً أو آلاماً، وما يمكن أن يحدث من (ماما) في أثناء تغيير الملابس مثلاً أو من (بابا) عندما يصافح الطفل ويسلم عليه أو يقبّله أو من الأقارب حين يصافحوننا ويحيوننا وتكون لليدين والكتفين والذراعين بصورة سريعة ودون الحاجة لكشف أي جزء من الجسم أو رفع الملابس عنه.
أما اللمسة غير الصحية، فهي ما تسبب نقل الأمراض؛ بسبب عدم الالتزام بالقواعد الصحية التي أشرنا إليها.
2. خصوصية أجزاء جسمه واختلافها
· عرفي طفلك أن أجزاء جسمه مختلفة، ولكل منها وظيفة يؤديها وطريقة سليمة للتعامل معها.
· أخبريه بأن هناك أجزاءً من الجسم لا تصلح لأن يتعامل معها أو يلمسها أو يراها أحد سواه؛ لأنها ملكه هو وحده ويجب أن يحافظ على صحتها بالتزام قواعد النظافة في التعامل معها.
· حديثك مع الطفل في هذا الموضوع يجب أن يبدو تلقائياً، فهذا أمر مهم بالنسبة للتربية الجنسية للطفل بشكل عام، ويمكن أن تساق له هذه المعلومة من خلال حوارات عنه، مثلاً حينما كان صغيراً كنت تغيرين له "الحفاضات". أما الآن، فهو كبير ولا يصح لأحد أن يطلع على كل جسمه.
ومن الممكن إجراء حوار آخر معه يتمم ما سبق، كأن يكون حول أجزاء الجسم بشكل عام دون تخصيص يلفت نظره إلى جزء معين، بداية من العين والرقبة والرأس والأذن والصدر، وكيف أنها كلها أجزاء جميلة وظاهرة من جسمه وأنها تختلف في الرجل عن المرأة مع إعطاء أمثلة للاختلاف.
· ثم يتم لفت نظره بشكل غير مباشر إلى خصوصية أعضائه التناسلية وضرورة الحرص على نظافتها؛ حتى لا يصاب بالأمراض، فشدّ انتباهه إلى النظافة والصحة طريقة مثلى في إشعار الطفل بخصوصية هذه الأعضاء.
ومن يتحرش بالطفل غالباً شخص له به علاقة وثيقة وحميمة (ما لم يكن الأمر اختطافاً أو اغتصاباً)؛ ومن ثم:
1. لا بد من سؤال الطفل عن مصدر أي هدية أخذها أو حصل عليها ولِم فاز بها… إلخ مع توعيته بخطورة تناول شيء دون عرضه على والديه لمعرفة مدى صحته.
2. ذكريه بألا يقبل هدية من أي غريب باستثناء مدرسته مثلاً عندما تكافئه على تفوقه، وأن يشكر من يعرض عليه أي هدية دون أن يأخذها ثم يخبرك بها إن كان يريد مثلها لتشتريها أنت له.
3. تابعي بدقة، مسألة تكرار الهدايا من طرف معين دون إرعاب الطفل أو عقابه، فقط بالتحاور معه بلطف؛ لتتخذي احتياطات الحذر الكافية لمنع هذا الطرف من الانفراد بطفلك أو لقائه أصلاً.
4. لاحظي طفلك باستمرار دون إشعاره بالرقابة الخانقة ومتابعة ميوله في اللعب وطريقة لعبه وأنواعه.
5. جنِّبي طفلك مشاهدة القنوات الفضائية أو أي مواد إعلامية غير مناسبة، مع غرس الوازع الديني والأخلاقي في نفسه بحيث يرفض كل ما لا يحبه الله عز وجل.
6. أشعري طفلك دائماً بالأمان والقرب منك ومن والده وأنكما له مصدر كل الحماية، فغالباً ما يلجأ المتحرش إلى إرعاب الطفل أو تهديده بأنه لو أخبر أحداً فسيفعل به كذا وكذا.
7. عوِّدي طفلك الحكي ورواية تفاصيل أي موقف حدث له دون عقاب أو زجر، فيكفيه أنه صادق؛ وذلك لتعويده أن ينقل بصورة واضحة ما يتعرض له أو ما يخيفه.
8. احرصي على فحص جسد الطفل يومياً في أثناء تغيير ملابسه وغسله لكشف أي آثار لكدمات أو ضربات أو "خدش" في جسمه وفحص ملابسه الداخلية وخلوها من الشعر أو أي إفرازات غريبة إلى غير ذلك.
9. عودي الطفل دخول الحمام منفرداً دون حاجة لمساعدة أحد أو تدخل أحد، وأنه لا بد من إغلاق باب الحمام.
ويتطور أسلوب توعية الأبناء للوقاية من التحرش بتطور العمر، وفي مرحلة من (6 سنين-12سنة) يتطور إدراك الطفل؛ ومن ثم يتطور أسلوب توعيته، ففضلاً عن توعيته بضرورة أن يستغيث وأن يحكي لوالديه عن أي محاولات أو تصرفات غير طبيعية يحاول أحد فعلها معه، وفضلاً عن توعيته بخصوصية أجزاء جسمه- يمكن التطرق إلى الحديث عن الحلال والحرام وما يحبه الله تعالى وما يبغضه ونعم الله التي خلقها لعباده، والتي يجب أن يستفيدوا منها لمصلحتهم، وألا يؤذوا أنفسهم.
حيث يجب توجيه الابن بشكل محبب للحلال والحرام وإظهار عظمة الدين في تنظيم المجتمع بالشرائع التي تدعو إلى الطيبات وتحرم الخبائث، وإن كان الحرام واحداً فالحلال ألوف، إلى غير ذلك مما يسهم في بناء ضميره ووجدانه بالإقناع.
يضاف إلى ذلك، تقوية أواصر الصداقة الحميمة مع الأبناء، وهو ما يجعل الباب أمامهم مفتوحاً للحوار والتعلم والنقاش والخلاف في كل موضوع مع الوالدين.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.