هواجس ما قبل التخرج

أعتقد أن أصعب لحظات ما قبل التخرج هي تلك اللحظات التي تبدأ فيها في طرح الأسئلة، فمتى أعمل؟ كم من الوقت سأبقى أعزب؟ ومتى أرتبط؟ متى يأتي عريس؟ هل ستنتظرني لأعد نفسي وأجمع ما يكفي لتجهيز بيت؟ هل أهاجر أم أبقى؟ هل استفدت أم أضعت تلك السنوات؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/02 الساعة 04:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/02 الساعة 04:10 بتوقيت غرينتش

إن كنت أوشكت على التخرج فأنت الآن تنهي مرحلة (أجمل أيام العمر).. كما هو مفترض.

حقيقة لا أعرف إن كانت أجمل أيام العمر أم لا، فأنا لم أعِش باقي العمر؛ لأقارن بين أيامه وأحدّد أيها أجمل وأيها أقل جمالاً، ولكن أتمنى من الله ألا تكون هذه الأيام هي الأجمل.. أتمنى.

(1) أعراض الانسحاب

نعم لا تتعجب من ذلك المصطلح، فسوف تتعرض لبعض أعراض الانسحاب، ولكنها لن تشبه تلك التي يتعرض لها مدمنو المخدرات، لن تتعرق وتتقيأ، لن تبدأ في الصراخ والجنون كما نشاهد في الأفلام، لكن أعراض الانسحاب من الجامعة هي التوتر والقلق والتفكير الزائد في مستقبلك وما سوف تقابله في الأيام المقبلة.

حتى طريقة تفكيرك وحديثك سوف تختلف، فبعد إنهاء الامتحانات النهائية لن تبدأ إجازة الصيف، فالصيف لم يعد إجازة كما اعتدت في عمرك السابق، سوف تفتقد بعض الجمل مثل (هنعوض في الفاينال) فلم يعد هناك فاينال و(في التيرم القادم)، فأنت الآن التيرم الذي لا يليه تيرم، لن تودع زملاء دراستك على أمل اللقاء في العام القادم، سوف تتحول سنواتك الجامعية إلى ذكريات بعد انتهائك من آخر امتحاناتك، ذكريات سوف تبقى لمرحلة لها طابعها الخاص، مرحلة تختلف عما سبقها، ولا تشبه ما سوف يأتي بعدها.

(2) عندما تبدأ الأسئلة

أعتقد أن أصعب لحظات ما قبل التخرج هي تلك اللحظات التي تبدأ فيها في طرح الأسئلة، فمتى أعمل؟ كم من الوقت سأبقى أعزب؟ ومتى أرتبط؟ متى يأتي عريس؟ هل ستنتظرني لأعد نفسي وأجمع ما يكفي لتجهيز بيت؟ هل أهاجر أم أبقى؟ هل استفدت أم أضعت تلك السنوات؟

أسئلة كثيرة لا تنضب ولا تجد لها إجابات في تلك المرحلة، لن تعرف مصيرك في الحال، الإجابات تأتي مع الوقت وتتكشف في الواقع… ولكن انتظارها سوف يبقى أمراً مزعجاً.

(3) أهلاً بك في أرض الواقع

بين ليلة وضحاها سوف تتغير نظرة الجميع لك، فلم تعد كما كنت منذ عشرين عاماً، لم تعد طالباً كل ما هو مطلوب منه أن يدرس، لن يتم سؤالك في أي عام دراسي أنت أو في أي جامعة، بل أصبح لك مسمى وظيفي وأصبح السؤال عن مكان العمل، لقد أصبحت مهندساً، طبيباً، محامياً، محاسباً، أصبحت شخصاً ينظر له المجتمع على أنه مسؤول وعلى عاتقه واجبات عديدة من العمل والإنتاج والزواج… إلخ.

أصبحت شخصاً آخر في وجه نظرهم، فإن لم تستعِد لذلك الأمر فأنت في ورطة، وللأسف سوف تتعلم بالطريقة الصعبة.

(4) العمل لا ينتظرك

من أفضل الأمور التي من الممكن أن تستفيد منها في الجامعة، ليست المواد الدراسية بالطبع، بل الخبرة عن طريق التجارب المختلفة، وأعظم تلك الخبرات تُكتسب عن طريق مزاولة عمل بأجر وليس عملاً تطوعياً، فائدة ذلك العمل ليس الأموال فقط، ولكنها سوف تجعلك ترى الواقع من زوايا عدة، وتجبرك على الهبوط من برجك العاجي وترى الواقع بكل مساوئه وعيوبه، حتى تصاب بأقل قدر من الإحباط عند بداية توغلك في سوق العمل، فإن لم تعمل أثناء الدراسة فحاول أن تكون مرناً أثناء احتكاكك بالواقع، ولتكن على ثقة أن شهادتك الجامعية وحدها لا تكفي، كما أن أرباب العمل لن يتنازعوا من أجل توظيفك ولتعد نفسك لعشرات الكورسات والشهادات التي تحتاجها لتكون سيرتك الذاتية قابلة للنظر، كما أن تهيئة نفسك للرفض من عشرات المقابلات أمر وارد جداً.. هذا بالطبع بعد إنهاء مرحلة التجنيد الإجباري إن كنت من أحد تلك البلاد التي تشترط الخدمة العسكرية الإلزامية.

(5) ليست دائماً البدايات أجمل

عند دخولي للجامعة كنت محملاً بقدر من الأحلام والطموحات الرائعة الكثيرة، كنت سعيداً وكنت أعتقد أنه بإنهاء الجامعة سوف أشب لألمس عنان السماء.

لكن بعد تلك السنوات، اتضحت الأحلام وصارت الطموحات أوقع ونضجت الآراء واكتسبت النفس ذلك القدر من الخبرة والقدرة على التمييز، أصبحت أكثر قوة ومقدرة على تلقي صفعات الحياة، أكثر قوة على التشبث بالأحلام والتمييز بين الأمل والسراب، أكسبتني الجامعة بعض المناعة لمواجهة الواقع.

نعم لم أكن من عشّاق الجامعة، لم تكن مكاني المفضل في تلك السنوات التي قضيتها داخل جدرانها، ولكن في كل ركن من أركانها لي ذكرى، في كل مدرج ومعمل وورشة وقاعة.

لست حزيناً لمغادرة الجامعة، كل ما أتمناه أن تكون تلك الفترة التي قضيتها فيها قد حققت أقصى استفادة ممكنة، وهذا ما ستكشفه لنا الأيام.

نعم البداية كانت رائعة، دخول المدرج لأول مرة والاستماع لأول محاضرة، صورتك وخلفك اسم الجامعة أو أحد مبانيها، تلك الصورة التي وضعتها على الفيسبوك، توتر وقلق أول امتحان، الخوف من النتيجة التي دائماً تكون غير متوقعة، التسكع على سلالم الجامعة، الهروب من المحاضرات، حتى اللعب على الهاتف أثناء محاضرة لا تفهم من كلماتها شيئاً، التقارير والأبحاث التي أعددناها على جوجل وأشياء أخرى.. كل ذلك رائع وسوف يبقى ذكرى، لكن روعته أنه لن يعود، ولولا النهاية لما عرفنا روعة البداية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد