أعجبُ لأولئك المساكين التائهين بين متاهات "واوٍ" و"هاءٍ" و"ميم"، تراهم هائمين غارقين في شيء بعيد عن الفرح، وإن كانوا كذلك يدعونه.
كلما ظنوا أنهم بلغوا المقصد على أعتاب الحاء والباء رأيتَهم يزدادون بعداً، وتَرى "جيماً" أو "راء" تأتي لتتخذ لها بينهما مقاماً باطناً، لا خلاص لهم فيه بعدُ للبلوغ وإن قاتلوا، إلا "طاءً" تحرق أوصالهما.. إذ ليس حرفانا مِمَّن بالشدة تُنال فضائلُهما، إنما هي تُلقى في قلوب الذين يستحقون، برفق وانسياب، برداً وسلاماً!
يسألونك عمَّا وقَر بين "حاء" و"باء"، قل بينهما الجمال بكل ما ضم من المعاني، والطهر بكل ما حوى من ألقاب.. عقيدة كل من أتى الكون بقلب سليم، صلاتُه فيها تراتيلُ نبض لا ثاني لسحرها، والذكرُ فيها بضْعٌ مما تخفق به الحياة؛ إذ كيف لا يكون كذلك وهو أجمل ما تجَلَّتْ وخُصَّتْ به.
كأنَّ الله خلق جمال الكون في كفة وجعل الحاء والباء في الكفة الأخرى، فلا استقامة للحياة دونهما، ولا استبصار لآيات العظمة في المخلوقات دون حضور تفاعلهما الملهم.
حاءٌ وباءٌ تقدَّسَا عنْ أن يَطآ قلباً اختلطت فيه مذاهبُ الدَّرن، وفَتَكَت بسويدائه سمومُ الخبث، أو قلباً بالجهل والجهالة قد استغنى بظلمته وظن أن حصنَه سياجٌ من جبروت لا يهترئ.
ما صَحَّ له وجمَالِ قِدِّيسنا ذي الحرفيْن قَطُّ أن يتآلفا، ولو حرص ذَوُوه، إنما يَسَّرَه بارئُه لقلوبٍ لوْ تُرِك لجمالها أن يفيض لعَمَّ ما ومن حوله، فلَكأنك بمنابعَ من نور كوثري منها يستقي العالم وَهْجَه فلا تهزمه الدلاهمُ ما طغت.
ويسألونك ثانية، قل فاسألوا أهل الحب إن كنتم صادقين، تَراهُمْ في خشوع يُلَبُّون، وحالهم يغنيهم عن النطق إذ تراهم غراً محجلين من جميل أثر المحبة عليهم، يكادون يملكون الكون بما هم فيه، تراهم، فتذكر الله، وتحمده إذ جعل من أجمل عطاياه أن زَفَّ للحاء باءها الخجلى، فكان للدنيا أن تجعل من ذا الزفاف أبهى ما به تبتهج، ألواحاً ألوانُها فرح، ونسمات ريحها عبق، وأنغاماً كلها طرب.
يباغتني أنينُ الأرض، إذ ضاق بها المفترون.. أولئك الذين لا يجدون خجلاً في أنفسهم من الإفصاح عن انتماء زائف للسجل المحرم، ذي الحاء والباء، فينتهكون الحرمات، ويمزقون الأواصر بشعارات تفوح منها روائح الإفك، ثم يُوَلُّون الأدبار كأن لم يقترفوا شيئاً، فأجد أنيني لأنين الأرض مواسياً، وأقول لنفسي: "عجباً كيف صار انتهاك الحرمات هيناً"، ثم تباغتني الأماني بعالم أجمل، عالم سؤدده "حاءٌ" لاقى بها السلطانُ إذ أُرفِقَتْ بأَنَفة "بائها" فاستوت على عرش القلوب وسادت فسيطرت بجمالها على كل ذي روح، وهل بعد ذلك بهاء يذكر؟
ألا بوركَتْ قلوبٌ رُصِّعتْ بلآلئ من حاء وباء، ثم كانت بذور حياة لكل أرض جرز، حيثما تُزرَع تُنبت، ثم تُوتِ ثمرها بإذن ربها، ثم تكون عمارة، فنعيماً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.