قارئي العزيز.. السلام عليكم أينما كنت.
في خضم الرأسمالية الجارفة و"البزنس" المستشري في كل نواحي الحياة تقريباً انطلقت الشركات العالمية لتبيع كل شيء وأي شيء، حتى إنك لتشعر أنه يمكنك شراء السعادة أو المودة أو الحب في صورة أقراص وتشتري الصحة والقوة في علب كبسولات وتشتري سنين الشباب الضائعة في كرتون من الكريمات، ناهيك عن حقن النحافة ووصفات التكبير والتصغير والشفط والحشو.. إلخ.
وهم يبحثون دائماً عن زبونهم المستهدف بكل جد ونشاط ليسلبوا عقله ويغيروا فكره، وليس أهم من المرأة في هذا الشأن، فالمرأة عاطفية شاعرية خيالية حالمة، ومن اليسير مداعبة مشاعرها الفياضة بصور الموديلات الكاذبة والنساء الجميلات تلك الصور التي تحتوي من حيل المكياج والملابس أكثر مما تحتوي من حيل الفوتوشوب وبرامج الغرافيك وتكفي نظرة واحدة قبل وبعد عمليات التعديل والتصوير لتعرف الفرق والحقيقة، وتكفي نظرة واحدة لصورة شخصية حديثة لك عزيزي القارئ لتكتشف خداع التصوير وتصوير الخداع.
وتحت تأثير هذا السيل الجارف من شلالات الإعلانات والصور وبرامج الفضائيات تنطلق المرأة لتحصل على نصيبها من ذلك الفردوس المفقود، الذى يباع بحفنة من النقود، صحيح أنه ممكن أن يكون باهظ الثمن إلا أنه في الأخير يباع ويشترى ويمكن أن يشتريه كل من يملك.
إنه التركيز على الجسد ووضع مقاييس غاية في الصعوبة لا يكاد يملكها المرء إلا أن يعيش بنصف معدة أو بنصف قلب أو بنصف عقل حتى يتمكن أن يعيش بنصف جسد نحيفاً أو رشيقاً فلا يأكل ولا يشرب إلا ما يحتاجه لنصف جسد أو لنصف حياة.
وانطلقت النساء في كل بقاع الأرض ومن كل دين وعرق وبلد وقطر يبحثن ويشترين أي شيء ليحصلن على لا شيء حتى إن أحد كريمات تبييض البشرة الشهير كان أكثر مبيعاً في الهند؛ حيث النساء الجميلات يردن بشرة أوروبية بيضاء ناصعة مما دفع الحكومة الهندية إلى توقيف الحملات الإعلانية لهذا المنتج، وتقول "إن السمار من أهم مقومات جمال المرأة الهندية".
حتى رأيت الشباب يشتري الجيل لدهان الشعر والذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى الصلع المبكر، حيث يعمل الجيل كطبقة عازلة تماماً حول الشعر، مما يؤدي إلى موته وتساقطه.
عزيزتي القارئة المفكرة الواعية.. الآن يمكننا أن نتفق علي أن صور النجمات اللامعات ليست حقيقية، وأن مقاييس جمالهن هي نتاج عمليات من التعديل والتجميل والتصوير والخداع استمرت لساعات طويلة قبل وأثناء وبعد التصوير.
وثانياً نعم إن الرجل يلفت نظره للوهلة الأولى جمال المطلع وجمال الوجه والشكل، ولكن هل ما يأسره ويقيده ويربطه هو جمال الوجه أم جمال الروح والعقل والقلب؟
وإن كثيراً من جميلات الوجوه وبهيّات المظهر ممن قابلتهن في حياتي لتكاد تصيبك بالصدمة بمجرد أن تتكلم بعض الكلمات أو تسمع صوتها، حتى إنه في أحيان كثيرة لترى حدة الكلمات وتتابعها ونبرتها لتغطي وتلغي جمال الوجه الصارخ، تلك الكلمات التي تنبئ بلا مواربة عن قبح الجوهر.
إن المرأة العصبية العنيدة المتسلطة فاشلة في زواجها حتماً، وإن كانت أجمل الجميلات والمرأة الوديعة الهادئة المتفهمة الطيعة موفقة وزوجة ناجحة بكل المقاييس.
وثالثاً: إن من أهم مقاييس الجمال عند النساء هي النظافة والتألق فهل يشفع للزوجة صارخة الجمال افتقادها للنظافة أو النظام أو الترتيب؟ أم أن زوجها حتماً سيصاب بالتقزز من قذارة المكان أو البيت برغم جمالها الأخاذ، إن الزوجة قليلة الحظ من الجمال والأكثر اهتماماً بنظافتها وبيتها وأولادها لأدعى إلى طول العشرة وجمال الصحبة.
ورابعاً: نعم قارئي الكريم وإن جمال المظهر يجذب الرجل لثوانٍ أو دقائق أو ساعات أو حتى شهور، لكنه سيتوارى ويتراجع عند أول إفصاح عن قبح الجوهر.
الجمال الحقيقي هو جمال العقل والقلب والروح، هو سعة النفس وهدوؤها وحبها الفياض، إنه قدرة المرأة على الاحتواء والسكن والهدوء، هو جمال العشرة والحياة والكلمات والأفكار والمشاعر.
وحتماً إن علينا فإن نتخلص من تلك القناعة المرضية المتأصلة في نفوسنا جميعاً بأن جمال المظهر هو دليل مؤكد على جمال المخبر، فهذان أمران لا يجتمعان إلا في نسبة ضئيلة جداً من البشر، أما في الغالب الأعم فالأمران لا يجتمعان، تلك القناعة الكاذبة المبنية على سطحية التفكير والنظر إلى الأشياء بمقاييس العين وليس بمقاييس العقول والقلوب.
وليس أدل على هذا من قصة الجمال والقبح للمبدع خليل جبران؛ حيث ذكر تلاقي الجمال والقبح ذات يوم على شاطئ البحر، فقال كل منهما للآخر: هل لك أن تسبح؟ ثم خلعا ملابسهما، وخاضا البحر. وبعد برهة عاد القبح إلى الشاطئ وارتدى ثياب الجمال، ومضى في سبيله، وجاء الجمال أيضاً من البحر، ولم يجد لباسه، وخجل كل الخجل أن يكون عارياً، ولذلك لبس رداء القبح، ومضى في سبيله.
ومنذ ذلك اليوم والرجال والنساء يخطئون في التفريق بين الجمال والقبح، غير أن هناك نفراً قليلاً ممن يتفرسون في وجه الجمال، ويعرفونه رغم ثيابه، وثمة نفر قليلون يعرفون وجه القبح، والثوب الذي يلبسه لا يخفيه عن أعينهم.
فيا مَن تبحثين عن بروتين ليملأ الشعر بالحيوية والإشراق، فإن قراءة كتاب جديد لتملأ العقل بالأفكار المشرقة الجميلة المبدعة التي تفيض أخلاقاً وحلماً وعلماً جديداً، وإن كان البروتين يكرر كل ستة شهور حتى لا يتلاشى رونقه الزائف، فالقراءة كل يوم تزيدك إشراقاً وجمالاً لا يتوارى ولا يتراجع أبداً ويزيد ولا ينقص.
ويا من تبحثين عن بياض الوجه الناصع فتبييض القلب بالحب والنفع للآخرين أشد نفعاً وأطول أثراً، ويا من تبحث عن النحافة فلتخفف من الصلف والعناد والتغيير أجمل وأبقى، ويا من تبحث عن جسد ممتلئ فروح ممتلئة بالأمل والعمل أجمل وأروع.
يا من تعبتم من تغيير الأجساد وأنهكتكم التمارين والحميات توقفوا قليلاً واهتموا أيضاً بالأرواح والعقول وستفوزون بالاثنين.
إن السعادة الزوجية لا يمكن أن تشترى معبأة في زجاجات البروتين الأصلي ولا مغلفة في علب المكياج الباهظة الثمن، السعادة يجلبها بلا ثمن تجميل الروح والفكر والقلب.
وإذا كان المثل الشعبى ينكر على ماشطة الجسد قدرتها على التغيير والتجميل، فإن الحقيقة الواضحة أن ماشطة الروح والعقل أقدر على التغيير والتجميل والتعديل، وأن تجميل الأرواح والعقول بالقراءة والتغيير السلوكي والأخلاقي أسهل وأيسر وأبقى وأنفع في الدنيا والآخرة.
وصدق الشاعر في قوله:
جمال الروح ذاك هو الجمالُ ** تطيبُ به الشمائِلُ والخِلالُ
ولا تُغني إذا حسُنتْ وجوهٌ ** وفي الأجساد أرواحٌ ثقالُ
ولا الأخلاق ليس لها جذورٌ ** من الإيمان توَّجَها الكمالُ
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.