لم يمضِ أكثر من أسبوعين عن آخر مقالة لي، والتي حملت عنوان "درجة ونصف للبقاء على قيد الحياة"، والتي تحدثت فيها عن الآثار الكارثية التي تطال اليمن واليمنيين جراء ارتفاع درجة حرارة الأرض، وأهمية الحفاظ على درجة حرارة الأرض عند درجة ونصف؛ حيث إنني لم أسلم من الانتقادات اللاذعة للقُراء، الذين وصفوني بالمُبالغ في تخوفي من ارتفاع درجة حرارة الأرض، ولكني أعود وأقول إنني لست مُبالغاً في تخوّفي هذا، وإنما هو تخوّف مبني على أسس علمية وشواهد حقيقية يلمسها كل إنسان في حياته اليومية، فآخر دليل على ما أقول هو تفشي وباء الكوليرا الذي بدأ منذ الخميس الماضي؛ لنشاهد كل يوم أرقاماً مهولة تعلن عنها وزارة الصحة عدد المصابين بهذا الوباء؛ حيث إنني أرغب أن ألفت انتباهكم إلى أن هناك علاقة وطيدة بين وباء الكوليرا والتغير المناخي، فارتفاع درجات الحرارة وهطول الأمطار الغزيرة بسبب تغير المناخ أدى ذلك إلى تكون الظروف المثالية لتكاثر البكتيريا المسببة للكوليرا.
اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وهي هيئة علمية مرجعية عالمية، أشارت إلى بحث في بنغلاديش قامت به العالمة الأميركية البارزة ريتا كولويل في نهاية التسعينيات، الذي أسس العلاقة بين بكتيريا الكوليرا ودرجة حرارة سطح البحر والعوالق النباتية والكائنات النباتية المجهرية التي تعيش في المحيط، فدرجات الحرارة السطحية الدافئة تزيد من وفرة العوالق النباتية التي تدعم بدورها عدداً كبيراً من العوالق الحيوانية والكائنات الحيوانية الدقيقة التي تعمل كعائل لبكتيريا الكوليرا، وهي من الأمراض التي تنتقل عن طريق الماء.
وأنا هنا لا أغفل الأسباب الأخرى لتفشي وباء الكوليرا، فتكدس أكوام القمامة في الشوارع ومجاري السيول لما يزيد عن أسبوع جراء إضراب عمال النظافة، وبقاء تلك النفايات عرضة لأشعة الشمس والرطوبة الناتجة عن ارتفاع درجة الحرارة تكون بمثابة البيئة الحاضنة للوباء، وما زاد الطين بلة هو أننا حالياً في موسم الأمطار؛ حيث قامت السيول بجرف كميات كبيرة من تلك النفايات إلى أماكن تجمعات المياه المخصصة بري الخضراوات، ولزيادة تأكيد ما أقول التقيت بالدكتور عبد الكريم السامعي، وهو طبيب مختص بالأمراض الوبائية، الذي أكد لي أن كل هذه العوامل لها دور رئيسي في تفشي وباء الكوليرا، وخصوصاً ارتفاع درجات الحرارة التي ترتبط بارتفاع درجة حرارة الأرض.
بعد هذا كله أصبح من الضروري أن تعمل الحكومة اليمنية على تبني حلول فاعلة تعمل على الحفاظ على درجة حرارة الأرض، ولن أكتفي في مقالي هذا بلفت الانتباه أو المناداة بضرورة إيجاد حلول، ولكني سوف أقترح مجموعة من الحلول التي أرى أنها مناسبة، ومن أبرز تلك الحلول، إنشاء مصانع تقوم بإعادة تدوير النفايات؛ حيث تمثل عملية التخلص من النفايات أبرز المعضلات بالنسبة لليمن، وكما نعلم فإن النفايات أحد أهم مصادر غاز الميثان الذي له آثار سلبية على البيئة؛ حيث إنه بالإمكان الاستفادة من التجربة السويدية في هذا الشأن، فالسويد أصبحت تستنفد كل ما يخلفه سكانها من نفايات؛ لتلجأ السويد إلى استيراد 800 ألف طن من النفايات سنوياً؛ حيث تقوم بتحويله إلى وقود يستخدم في التدفئة وتوليد الطاقة، وبحسب دراسة قامت بها السويد كشفت عن أن كل ثلاثة أطنان من النفايات تحتوي على طن واحد من زيت الوقود.
ومن ضمن الحلول التي أقترحها رفع الدعم عن الوقود الأحفوري، وتشجيع المواطنين على استخدام الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، عوضاً عن الطاقة التي تعتمد على الوقود الأحفوري، أيضاً اتباع سياسة تسعير الكربون على الشركات والمصانع التي يصدر عنها انبعاثات الكربون؛ حيث إنها تبدأ بجمع ما يعرف بالتكاليف الخارجية لانبعاثات الكربون -وهي تكاليف يدفعها الجمهور العام بطرق أخرى، مثل تلف المحاصيل وتكاليف الرعاية الصحية جراء موجات الحرارة والجفاف أو تضرر الممتلكات من الفيضانات وارتفاع مستوى سطح البحر – وربطها بمصادرها من خلال تسعير الكربون.
ويساعد تسعير الكربون على إعادة تحميل عبء الضرر على المسؤولين عنه، والذين يمكنهم الحد منه؛ وبدلاً من إملاء أسماء الجهات التي يجب أن تخفض انبعاثات الكربون ومكانهم وكيفية ذلك، فإن تسعير الكربون يعطي إشارة اقتصادية، ويقرر الملوثون بأنفسهم ما إذا كانوا سيحدون من الانبعاثات، أو يحدون من نطاق نشاطهم المسبب للتلوث أو التوقف عنه، أو الاستمرار في التسبب في التلوث ودفع الثمن.
بالإضافة إلى ذلك يجب إدراج مواضيع تغير المناخ في المناهج المدرسية؛ لكي نضمن تخريج جيل يعي ويدرك مخاطر التغير المناخي، وإطلاق حملات توعية حول تغير المناخ، باستخدام وسائل الإعلام، ودعم المبادرات والمنظمات التي تعمل على حماية البيئة.
كل هذه الحلول بالإمكان تبنيها من قِبَل الحكومة اليمنية، فهي حلول بسيطة وفعالة للغاية، ولها آثار إيجابية على المدى القريب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.