اليابانيون.. كيف ولماذا؟ “7” | غريب أينما أكون.. اليابان ما بين الخيال والواقع

أعلن رئيس الوزراء الياباني في هذا الصدد وبشكل دبلوماسي، أن اليابان ليست على استعداد لاستقبال اللاجئين في الوقت الراهن، وأنها سوف تدعم هذه القضية من خلال استقبال عدد متواضع من شباب الطلاب والكوادر السوريين، كوسيلة فعلية من أجل دعم عملية إعمار سوريا في المستقبل.

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/28 الساعة 03:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/28 الساعة 03:58 بتوقيت غرينتش

توقفنا في الحلقة الماضية عند معيار الانتساب الجماعي الـ(uchi) الداخل و(soto) الخارج وتأثيره غير العادي على تشكيل الكثير من علاقات الناس بعضهم ببعض، امتداداً إلى تشكيل علاقات العمل والترابط الاجتماعي بفئات ومؤسسات المجتمع المختلفة.

وهنا تجد الأجنبي خارج دائرة الضوء، فهو ليس عضواً بجماعة دائمة، ففي الصباح هو عضو عامل بجماعة الشركة التي يعمل بها أو المؤسسة التي ينتسب إليها، وهنا يتم التعامل معه على نفس ميزان باقي زملاء العمل الذي يجمعهم مكان واحد وأهداف مشتركة مثل مسؤولية مهام العمل الواحد.

أما في المساء وبعد انتهاء دائرة العمل المشترك، هنا ينفصل الناس وتنفصل العلاقات، فيصبح الأجنبي بدوره عضواً خارجياً لا ينتسب إلى ثقافة هذا البلد أو تكوينه الاجتماعي؛ ومن ثم يتم التعامل معه كضيف وافد على هذه الثقافة فيكون له العذر أو الحق في عدم معرفة أو إدراك الكثير من الأمور الخاصة بالمجتمع.

لكن المشكلة هنا تكمن في كيفية تقبُّل الأجنبي هذا النمط السلوكي المتبع في مشاهد الحياة كافة المختلفة من حوله؛ فمثلاً لو تخليت معي أنك تعيش في اليابان مدة عقدين أو 3 عقود من الزمان، وها وقد خيل لك أنك أصبحت واحداً من أفراد المجتمع الياباني؛ أي بمعنى الـ"uchi"، فتجد نفسك تتصرف مع من حولك على هذا النحو.

لكن في المقابل، يقابَل هذا بفتور غير عادي ممن حولك، فتجد الناس تعاملك كشخص غريب كما لو كنت وافداً منذ عدة أيّام؛ فتحدثهم باليابانية فيردون عليك بالإنكليزية ذات الطابع الياباني! أو قد تجد من يتجاهلك أحياناً بهاجس أنك غريب عنه ولا يعرف كيف يتعامل معك، وهنا قد تجده لا يبادلك التحية والسلام أو غيرها من السلوكيات السلبية الأخرى التي تجد فيها نوعاً من أنماط الإقصاء والتهميش الاجتماعي التي بدورها تعزلك عن المجتمع… نعم، ولم لا! فهو يتعامل معك كـ"soto"؛ أي كعضو أو عنصر خارجي لا ينتسب إلى المجتمع الياباني.

لكن حتى نكون منصفين في الطرح، فالحق يقال، إن هذه الظاهرة ليست ظاهرة قاصرة على الأجانب الوافدين من خارج اليابان فقط، ولكن أيضاً تجد هذه الظاهرة الاجتماعية نفسها قائمة وراسخة في مشاهد الحياة اليومية التي يعيشها الفرد الياباني داخل المجتمع.

فهو أيضاً يتبادل الأدوار بين الـ"uchi" الداخل و"soto" الخارج؛ فتجده تارة عنصراً أو عضواً داخلياً، وتارة أخرى عضواً أو عنصراً خارجياً، وذلك حسب مشاهد الحياة المختلفة، لذا تجده دائماً مهموماً بالبحث عن مكان له بين مجموعات وفئات المجتمع المختلفة التي يعيش بينها وداخلها، لكن الفرق الشاسع هنا بينه وبين الأجنبي يكمن في اختلاف نظرة المجتمع الياباني المتباينة تجاههما، والتي من خلالها يتحدد موقعه والمسافة الاجتماعية له في المجتمع، وهل هو عضو داخلي أم عضو خارجي؟ فالحقيقة الراسخة في أذهان اليابانيين هي أن الأجنبي عضو دخيل عليه حتى وإن كان مرحَّباً به بين أفراد المجتمع.

وعلى هذا النحو، تجد الشخصية اليابانية تبحث دائماً لها عن كيان تنتسب إليه؛ لكي تكون جزءاً منه.. وتستطيع أن ترى ذلك بجلاء في الكثير من التجمعات المختلفة داخل المجتمع، مثل تجمعات الأنشطة الرياضية وتجمعات الأنشطة الدراسية والنوادي الطلابية وتجمعات أولياء الأمور وتجمعات أصحاب الأنشطة والهوايات المشتركة، وغيرها من التجمعات الأخرى المتعددة والمتنوعة التي تستطيع أن تراها في مشاهد الحياة المختلفة كافة.. فالياباني لا يستطيع العيش دون الانتساب إلى كيان أو منظومة جماعية يجد بها مكاناً له وقيمة لأداء دور بها.

قضية استقبال اللاجئين واليابان
موضوع آخر أودّ أن أطرحه هنا في هذا الصدد، موضوع قد يبدو في ظاهره بعيداً كل البعد عن موضوعنا المطروح هنا، لكني أرى في جوهره ارتباطاً كبيراً بما نتحدث عنه، وهو موضوع قضية استقبال اللاجئين واليابان.

لا شك في أن كلمة "مهاجر" أو "لاجئ" كانت من أكثر وأهم المواضيع التي كانت -وما زالت- تشغل حيّزاً كبيراً من النقاش والحوار في دوائر الإعلام والسياسة والاقتصاد والثقافة؛ بل وحتى عامة الناس في البيوت والمقاهي.. أيضاً، ليس هذا في اليابان فقط؛ بل في بلاد العالم المختلفة كافة.

وفي خضم نظرات العالم المتباينة تجاه هذه القضية وكيفية التعامل معها، وجدت اليابان نفسها أمام موقف لم تحسب له أمراً من قبل؛ فوجدت الأعين عليها تطالبها بتحديد موقفها من قضية استقبال اللاجئين، وعلى الأخص في القضية السورية، لكنني أرى أنها كانت صادقة في كيفية تعاطيها مع هذه القضية.

فلقد أعلن رئيس الوزراء الياباني في هذا الصدد وبشكل دبلوماسي، أن اليابان ليست على استعداد لاستقبال اللاجئين في الوقت الراهن، وأنها سوف تدعم هذه القضية من خلال استقبال عدد متواضع من شباب الطلاب والكوادر السوريين، كوسيلة فعلية من أجل دعم عملية إعمار سوريا في المستقبل.

لا شك في أن هذا القرار كان له وقع غير طيب تجاه اليابان في الأوساط العالمية، خاصة ما يتعلق بمجال بالدعم الإنساني. لكن كما يقولون، فأهل مكة أعلم بأرضهم، فاليابان تعلم أن مشكلة استقبال اللاجئين والمهاجرين مصحوبة بالكثير من المشاكل وأن المجتمع الياباني ليس جاهزاً للتعامل مع هذه المشكلة، وأن الأمر سوف يكون مصحوباً -لا محالة- بمشكلة التفرقة العنصرية تجاه من سيأتي من خارج اليابان للعيش فيها كأحد أفراد أبنائها.

تقول إحدى المفكرات البارزات في هذا الشأن: "في الماضي عندما كان يأتي المهاجر أو اللاجئ لمكان ما، كنت تجده يعمل كادحاً من أجل التكيف والاندماج مع نسيج المجتمع الذي أتى للعيش فيه؛ فتجده مع السنين يذوب في ثقافته ويصبح قطعة من نسيج مجتمعه، أما مهاجرو هذا العصر فتجدهم على النقيض تماماً، حيث يأتون حاملين ثقافتهم التي يعنون بها أكثر من محاولة العمل على الاندماج في المجتمع الذي أتوا إليه، فتجدهم يعيشون مكوِّنين مجتمعاً مستقلاً عن ثقافة المجتمع الذين يعيشون فيه، وهكذا نجد أن مهاجر الأمس ليس كمهاجر اليوم.. لذا لا أنصح بفكرة استقبال اللاجئين أو المهاجرين في اليابان".

في النهاية، أودّ أن أؤكد أن ما قمت بطرحه من تحليل وطرح، ليس المقصود به وصف المجتمع الياباني بأنه مجتمع عنصري أو أنه مجتمع يقصي الآخر، ولكن الهدف من طرحي هذا هو إدراك مدى أهمية قضية فهم طبائع الشعوب والمجتمعات؛ حتى يتسنى لنا فهم ذاتنا أولاً ثم إدراك حقيقة الآخر على اختلاف طبائعه؛ لكي يتحقق ما يُعرف بالإدراك الصحيح والمتبادل بين الثقافات والحضارات.

وسواء كان اليوم أو الأمس أو حتى الغد، ففي نهاية المطاف سوف يظل المهاجر يعيش واقعاً وحقيقةً لقدَر يحتم عليه وعلينا أن نعيش غرباء أينما نكون.

وإلى لقاء في الجزء الثامن إن شاء الله تعالى.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد