هناك فرق بين الهوية الجنسية للطفل أو ذاته الجنسية، وبين جنسه البيولوجي.
فالجنس البيولوجي تحدده الجينات، فإذا كان الطفل XX كان أنثى، وإن كانت جيناته XY تكون أعضاؤه التناسلية ذكورية، والأنثى XX تكون أعضاؤها التناسلية أنثوية سواء الداخلية من رحم ومبيض أو الخارجية من مهبل وبظر وشفرين، وإذا حدث اضطراب في هذا الجنس البيولوجي بمعنى أن كانت الجينات ذكورية XY وكانت الأعضاء التناسلية أنثوية أو العكس الجينات أنثوية XX والأعضاء التناسلية ذكورية، فإننا نكون بصدد مشكلة نسميها الخنثى المشكل، حيث يتم تعديل الأعضاء التناسلية جراحياً لتتوافق بين الجينات.
أما الهوية الجنسية أو الذاتوية الجنسية كما يحب البعض تسميتها، فهي أمر مختلف؛ إنها إدراك الشخص لذاته أو لهويته كذكر أو كأنثى، وهو أمر مكتسب ويعتمد على طريقة التربية والبيئة المحيطة بالطفل؛ فالطبيعي أن يكتسب الطفل الذكر هوية ذكورية وأن تكتسب الطفلة هوية أنثوية حتى يصبح الجنس البيولوجي متوافقا مع الهوية، وهذا هو الطبيعي والفطري، ولكنه يعتمد على الآباء والأمهات وكيف ساعدوا أطفالهم على اكتساب هويات متوافقة مع جنسهم البيولوجي، ويكون ذلك من خلال ما يلي:
قيام كل من الأب والأم بدورهما الطبيعي في الأسرة وتجاه الطفل والطفلة، بمعنى أن الطفل في سنواته الأولى (من سنة – 3 سنوات) يحتاج إلى التماهي (التمثيل) مع الأب من نفس جنسه، فإذا لم يتفاعل الأب مع طفله الذكر ويغمره بالحنان والحب ويعطيه الوقت الكافي ليراه، فإن هذا الطفل يبتعد عن الأب ويقترب من الأم ويلتصق بها ويتماهى معها.
فيميل إلى الرقة كأمه ويميل إلى عالم الإناث، فيجب اللعب معهن واللعب بألعابهن بل ويلبس ملابس أمه ويضع الماكياج مثلها وتختل هويته الجنسية .
ولذا فإن العلاقة الصحية التي تنتج هوية جنسية سوية هي التي تقوم على انفصال الابن عن الأم بنجاح من أجل نمو نفسي ذاتي سوي وفي نفس الوقت يتواصل مع الأب لتوكيد هويته وذاته الجنسية.
ويمر هذا عبر مراحل عديدة:
1. المرحلة الأولى (من الولادة حتى أربع سنوات)
يحتاج الطفل إلى أن يتواصل مع والده من نفس الجنس وينفصل جزئياً عن والدته حتى تتبلور هويته، فإذا فشل في التواصل مع والده من نفس الجنس تواصل مع الوالد من الجنس الآخر.
بداية الهوية الجنسية تكون في الشهر 21، الأولاد يتوجهون لآبائهم من أجل تمثل الهوية الجنسية، البنات الصغار يجدن صعوبة أكبر من الأولاد في أن يصبحن أشخاصاً منفصلين، البنات يتوجهن للأم من خلال اكتشاف الاختلاف الجنسي (أي اختلافهن عن آبائهن لعدم وجود أعضاء ذكورية لديهن).
2. المرحلة الثانية (من الحضانة إلى الابتدائي)
التواصل مع نفس الجنس اجتماعياً حيث يعتبر الجنس الآخر خطراً ويحدث تكرار نمطي للهوية من خلال طريقة قص الشعر أو اختيار الملابس أو اللعب المفضلة وبذلك فإن الطفل / الطفلة يفضل نفس الهوية الجنسية للتواصل اجتماعيا' معها.
3. المرحلة الثالثة (الابتدائي – الإعدادي)
ما قبل البلوغ:
التأكيد على الهوية الجنسية من خلال الشكل، فيحدث قبول للجسم وللمظاهر المتعلقة به مثل تفضيل الملابس الدالة على الهوية بشكل قوي.
4. المرحلة الرابعة (الإعدادي – الثانوي)
قبول الذات:
– يزداد اهتمام البنات بالملابس التي تظهر أنوثتهن ويملن إلى وضع المكياج واستخدام إكسسوارات الزينة.
– ويتوجه الأولاد إلى المظاهر التي تظهر قوتهم الجسدية والعضلية فيميلون إلى الرياضة والمظاهر الخشنة لإظهار قوتهم الذكورية.
– ويحدث اهتمام وفصول ناحية الجنس الآخر ويبدأ الإحساس بالراحة نحو الزملاء من الجنس الآخر وهكذا تتأكد الهوية الجنسية الذاتية من خلال الجنس الآخر.
5. المرحلة الخامسة (الثانوي – الجامعة)
التواصل الاجتماعي مع الهوية الجنسية المغايرة مع إحساس بالأمان من القبول الشخصي مع اهتمامات أكثر نضجا بالجنس الآخر، فيزداد الإحساس بالذات من خلال أصدقاء الجنس الآخر مع الراحة مع أصدقاء الجنس الآخر.
مما سبق يمكن أن نستنتج أن علاقة سوية بين الأب والأم وبينهما وبين أبنائهما هو شيء هام من أجل هوية جنسية صحية لهؤلاء الأبناء، فإن نجاح هوية جنسية سوية يكون بعد علاقة نشطة مبكرة بين الطفل وأمه وأبيه تبدأ عندما يمشي الطفل ويتكلم (انفصال الذات).
ولذا فإننا نفترض أن هناك مرحلة حرجة عندها يجب أن ينفصل الطفل عن أمه من أجل أن يكتسب هوية جنسية شخصية (ذاتية)، ولذا فإنه من أجل أن تتشكل هوية جنسية سوية فلا بد أن يرتبط الطفل بنجاح مع أحد والديه من نفس جنسه عاطفياً.
أي يمكن القول إن الإحساس الذاتي بالهوية الجنسية يتأثر بشكل كبير بالبيئة الاجتماعية النفسية المرتبطة بالشعور الداخلي بالذكورة أو الأنوثة.
وعلية فإن إدراك الهوية الجنسية من داخل النفس هو عملية مركبة نشطة متفاعلة بين العقل الباطن (اللاوعي) والجانب المعرفي والمكون العاطفي والمكون السلوكي أثناء النمو الاجتماعي السلوكي للشخص، أي أن الهوية الجنسية يتم تعلمها من خلال الثقافة (البيئة) والعلاقات، وأي انحراف كالشذوذ الجنس أو اضطراب الهوية يعكس اضطرابا في التعليم (التعلم) الاجتماعي.
لذا فإن أباً غير ناضج وغير مرتبط بأسرته متمحورا حول ذاته (أناني) وبدون خبرة مشوش (غير واضح لديه دور الأب) أو أباً غائباً أو منفصلاً أو أماً غير ناضجة (لا تعرف دورها كأم) لم تستعد أو لم تُعدّ أن تكون أماً، تفضل أحد أطفالها على الآخرين ولا تستطيع مساعدة أطفالها للانفصال عنها لأنها تثبت هويتها على حساب أطفالها، أي تحصل على احتياجاتها العاطفية التي لا يستطيع زوجها توفيرها لها وتشعر أن طفلها امتداد لها فلا تسمح له بالانفصال عنها، هذا الأب وهذه الأم يتسببان في اضطراب الهوية الجنسية لطفلهما.
يؤكد كل ما ذكر تحت عنوان "حماية الهوية الجنسية للطفل" وكيف أن مفهوم التربية الجنسية هو المفهوم الصحيح للتعبير عن دور الآباء والأمهات في التعامل مع القضية الجنسية، فهذه التربية لا تنفصل عن السياق العام للعملية التربوية ككل، فهي أحد روافد شهر التربية الأكبر / فهي ليست عمليات منفصلة، بل هي تكامل وتعارض بين أجزاء العملية التربوية من أجل استواء الطفل النفسي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.