يصادف الأول من مايو/أيار من كل عام "عيد العمال"، الذي يحمل معه دلالات كبيرة عن أهمية دور العمال في مسيرة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتنموية، وأضحت هذه الاحتفالية بهذا اليوم عنواناً لأهمية دورهم في إضفاء الطابع التشاركي المعنيّ بتقدير هؤلاء العمال وبمختلف مواقع العمل والإنتاج، سواء في القطاع العام أو الخاص.
وفي هذا الصدد تسعى العديد من الدول إلى إيجاد التشريعات والقوانين المنظمة لحقوق العمال في مسارات تتلاءم مع متطلبات سوق العمل وبحسب الإمكانيات المتاحة والمعايير المتباينة وفقاً لمتغيرات الدخل والتداخل بين الأجر المنخفض والفقر، وعندما نتحدث عن الأجر المنخفض، فإننا نفكر في دخل الأفراد من العمل بصرف النظر عن خلفياتهم الأسرية.
وعندما نتحدث عن الفقر فإننا نفكر فقط في إسهام دخول الأفراد في الدخل الكلي لأسرهم، ومعنى ذلك أن الفرد قد يكون عالي الأجر فقيراً، أو منخفض الدخل وغنياً، أو في أي موقع بينهما.
ونحن نعلم أن العاطلين قد لا يعيشون بالضرورة حياة الفقر، فقد يكون العاطل محمياً من الفقر بفضل دخل يحققه عضو آخر في الأسرة، وبالمثل فإن الحصول على عمل لا يعني آلياً أن ذلك مرة أخرى على دخول أعضاء الأسرة الآخرين، وعلى وجود إعانات في أثناء العمل وعندما ننتقل من دخل الفرد ونتكلم عن دخل الأسرة؛ لكي تحدد الواقعين في أدنى فئات التوزيع.
فإننا نأخذ في اعتبارنا أشكالاً أخرى من الدخل مثل الدخل من الرعاية الاجتماعية كالإعانات والتخفيضات الضريبية وغيرها، وبذلك يتضح أن دخل الأسرة يعتمد على حجم الأسرة، ويعتمد كذلك على الدخل الذي يتحصل عليه كل عضو من أعضائها، وعلى مصادر الدخل الأخرى، كالإعانات ومعاشات التقاعد، وفي ما يلي اقتباس لواحد من أبرز دارسي الفقر في المملكة المتحدة:
"حتى عندما تكون ديناميات الدخل وثيقة الصلة بديناميات الدخل من العمل، فإننا في حاجة إلى إدراك أن ديناميات الدخل تتشكل في كثير من الأحوال من مزيج من ديناميات دخول عدة أفراد، ولا تقتصر على ما يكتسبه رب الأسرة وحده.. زد على ذلك، أنه توجد بعض الأسر -خاصة المسنّين – التي تعتبر أهم الأحداث هي تلك الخاصة بالتغيرات في الدخل المكتسب عن غير طريق العمل.
كما أن مدى التأثير الذي يحدثه التغيير الديموغرافي بوصفة الحدث الرئيسي ليس عديم الأهمية بالنسبة إلى أعداد كبيرة من السكان".
أما في المجتمعات العربية، فإننا نجد أن العلاقة بين ديناميات الدخل وديناميات الفقر تلقي بظلالها على الواقع الاجتماعي والاقتصادي للعمال ومدى تأثره بالحروب الأهلية أو النزاعات الدولية والإقليمية أو الثورات الشعبية، التي قد يعبر عنها من خلال الإضرابات العمالية أو الوقفات الاحتجاجية، وإصدار البيانات التضامنية، والتي غالباً ما تسعى الأنظمة القائمة إلى احتوائها في إطار مسارات متعددة الأبعاد، غير أن ذلك لا يغير من قيمة العمل النقابي والمهني في توحيد الصف العمالي، والمطالبة بالحقوق المكفولة لهم في إطار القانون،
وعلى الرغم من الإجراءات التعسفية التي قد تطالهم من جراء ذلك من خلال أساليب متعددة تهدف إلى شق وحدة الصف النقابي أو لتجعل منهم وسيلة لتبيان الوعي الجماهيري (النقابي) لدى الجهات التابعين لها، في مسارات غالباً ما تكون لتزييف الوعي أو لإبراز جدية الدولة أو النظام في التعامل مع قضاياهم المشروعة، والتي تسعى الجهات المعنية إلى استيعابها ضمن الحيز الزماني والمكاني المناسبين ضمن مفاهيم معينة (الثقافة العمالية) بحيث تتضح من خلالها الخطوط الفاصلة بين المطالب المشروعة والأمور التي يُحملون المسؤولية عنها من جراء عملية الاستيعاب أو الاحتواء ضمن ممارسات تقع ضمن سيكولوجية سياسية محددة لتعبر عن صورة من أشكال المدنية (المجتمع المدني) في المجتمعات الديمقراطية بحيث تكون لتلك الصورة دلالات عن الفرص المتكافئة، وتطرح من خلالها تساؤلات معنية بالتغير السياسي والاقتصادي،
وينشأ عنها الهدف السياسي من عملية الفعل ورد الفعل، التي قد تساعد في تفسير كل من القدرة والاستعداد للتغيير، والمحظورات التي يضعها أي مجتمع على التغيير، ويسعى القائمون على تلك العملية إلى التصدي لمشكلات التحول الاجتماعي والسياسي إذا ما كانت "الثقافة العمالية" مبنية في إطار نظام اجتماعي وفكري.
وهكذا تسعى بعض الدول، سواء في الدول النامية أو المتقدمة، التي يتوقع أن هنالك تغييراً في أطرها السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية إلى "دراسة دور الإفكار العقائدية في التنمية الاقتصادية والتغير الاجتماعي وأزمة الشرعية السياسية في أوقات التحول"، وقد تكون للحركة العمالية خاصية معيارية للتعبير عن الاختلافات الثقافية الناجمة عن الاختلافات العرقية بصورة جوهرية، وعلاقة ذلك المباشرة وغير المباشرة بديناميات الفقر أو الدخل والأنماط الاجتماعية أو الاتجاهات التحليلية المعبرة عنها، وفي إطار البنية الاجتماعية والسياسية للعمال،
والتي قد يُعبر عنها بالقول: "يا عمال العالم اتَّحدوا، وفي ظل التناقضات المتوقعة من تباين التقاليد والعصرية والقبيلة والدولة والمجتمعات العقائدية والعلمانية لما من شأنه توفير أرضية مشتركة لجميع العمال في العالم معنية بتقديم تفسيرات للمتاريس الثقافية التي قد تتعرض على ما يبدو في سبيل تحقيق التقدم لا سيما في المجتمعات التي تمر بفترة انتقالية مضطربة من "الحكم الاستعماري" إلى "الاستقلال السياسي"، أو تلك الدول التي تشهد الآثار الناجمة عن تلك الفترة بمعزل عن التنظيم الاجتماعي من خلال إعادة إنتاج تلك الفترة / المرحلة من خلال ما يُسمى العمل النقابي والعمالي، والتي قد تبدو كمحاولة بائسة إذا لم تكن ضمن "التحولات الهيكلية" حول "الثقافة العمالية" المؤطرة لتلك المرحلة بفعل التناقض الديالكتيكي بينهما.
خاصة إذا ما كانت تلك "الثقافة العمالية" تسعى إلى فرض نظام على الفوضى الفعلية للأصوات ووجهات النظر والمواقف التي واجهتهم في الميدان أو ساحات الاعتصام أو الشجب أو المطالبة بالحقوق، والتي قد تمنح التبرير المعياري لإثبات الذات السياسية والثقافية، وظهور مناخ من الاحتجاجات.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.