الإعلام هو إحدى المهن المهمة جداً في الوقت الحالي، بعد انتشار التكنولوجيا وسرعة نقل الخبر وسهولته، ولا يخفى على أحد كمّ التأثير الهائل الذي يمكن أن يقوم به الإعلام بكل أنواعه "المرئي والمقروء والمسموع" على المجتمعات والدول بالسلب أو الإيجاب، خصوصاً بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، كـ"فيسبوك وتويتر" وغيرهما.
في هذا المقال قررت أن أكتب عن الإعلام المصري في وقتنا الحالي، ولكن لن أتناوله من منطلق أكاديمي أو علمي، ولكن سوف أكتب في هذا الموضوع بنظرة واقعية بحتة؛ حيث إنني لن أخوض في أخلاقيات المهنة الإعلامية كثيراً، ولكن سوف أتحدث من منطلق مبدأ واحد، ألا وهو أنه من المفترض في أي مهنة موجودة في هذا الكون، أن تكون مفيدة لصاحبها وللمجتمع من حوله، وإن خرجت هذه المهنة عن ذلك أصبحت غير قانونية، حتى وإن كان القانون لا يجرمها فإنها أصبحت غير إنسانية أو أخلاقية.
ولنا في ذلك مثلاً كالصيدلي في مهنته منوط به أن يعطي الدواء للمريض وفقاً لما ورد في الروشتة، في هذه الحالة الصيدلي حقق مبدأ المنفعة بشقيه؛ لأنه قام بعمله الذي يتخذ عليه أجراً وأفاد المريض بإعطائه الدواء الصحيح، ولكن ماذا لو استغل الصيدلي عمله وقام بعمل تركيبة دوائية لها تأثير المخدر، وقام ببيعها للناس هنا سقط مبدأ المنفعة، ووقع العكس بأن مهنته أصبحت ضارة له وللمجتمع.
نعود إلى الإعلام المصري ونسأل أنفسنا: هل الإعلام المصري بكل أنواعه مفيد للمجتمع وللأشخاص القائمين عليه أم أصبح يمثل خطراً على الدولة المصرية؟
أولاً: يجب أن نعرف أن الإعلام المصري ينقسم إلى نوعين هما:
– الإعلام الحكومي، وهو يتمثل في التلفزيون المصري والصحف الحكومية.
– الإعلام الخاص وهو يتمثل في القنوات الفضائية الخاصة والصحف الخاصة غير التابعة للدولة، ويملكها أشخاص مصريون، بالإضافة إلى الصحف الإلكترونية التي تصدر على صفحات الإنترنت.
ثانياً: نقوم بتطبيق مبدأ المنفعة الذي ذكرته في بداية المقال "الأصل في أي مهنة أن تكون مفيدة لصاحبها وللمجتمع من حوله" على الإعلام المصري في الوقت الحالي، بالنظر إلى الواقع نجد أن الإعلام المصري الحكومي من المعروف أنه تابع للحكومة، ومن يعمل به هو موظف لدى الدولة، ومهمته أن يشيد بالقرارات الحكومية وبالمجهود الذي تقوم به الحكومة والدولة في أي مجال، ولا يحق لهم الاعتراض أو التشكيك في أي قرار حكومي، ومن هنا انتفى مبدأ المنفعة عنه؛ لأنه لا يملك قراره، ولا يستطيع الاعتراض أو إظهار أي رأي مخالف للحكومة، وتقتصر المنفعة منه على الحكومة فقط، ولكن قد يحقق بعض المنفعة للمجتمع عن طريق بعض حملات التوعية التي يصدرها من وقت إلى آخر "مثل حملات التوعية الصحية أو ترشيد الاستهلاك أو نبذ السلبيات في المجتمع أو الاهتمام بالأطفال، إلى آخره".
نأتي إلى الإعلام المصري الخاص نجده في الوقت الحالي يتقمص دور الإعلام الحكومي، وأصبح كل شغله الشاغل الإشادة بالقرارات الحكومية، وتعظيم صورة رئيس الدولة، ورفض أي رأي مخالف له، بل ذهب الإعلام المصري الخاص إلى أبعد من ذلك؛ حيث تقمص الإعلاميون في البرامج الحوارية "التوك شو"، "Talk Show" دور القضاء وأصبحوا يصدرون أحكاماً على كل من يخالف الرئيس أو الحكومة الرأي بأنه عميل وممول أو ينتمي إلى جماعات إرهابية، بل فعل الإعلام المصري الخاص أكثر من ذلك وفقد كل أخلاقيات المهنة، بأن يقوم عدد من الإعلاميين بإذاعة مكالمات هاتفية خاصة مسجلة لأشخاص معارضين للنظام، متخطياً بذلك كل حدود القانون أو أخلاقيات المهنة.
وبعد أن كان الإعلام الخاص يقوم بعرض مشاكل الشعوب وطرحها للنقاش العام، والتواصل مع الحكومة لإيجاد حلول لهذه المشاكل، وعرض الرأي والرأي الآخر، أصبح الوضع الآن في مصر معكوساً تماماً؛ حيث أصبح الإعلام المصري الخاص يسير على وتيرة واحدة، ألا وهي أن أي قرار صادر عن رئيس الدولة أو حكومته هو الصواب، وأن الشعب لا يعلم ما في صالحه، وأن الأزمات التي يمر بها الشعب المصري جراء ارتفاع معدل البطالة، وارتفاع الأسعار والتضخم، وندرة بعض السلع الأساسية في السوق، ما هي إلا شائعات يروجها جماعة الإخوان وبعض جمعيات حقوق الإنسان الممولة من الغرب.
ولنا في ذلك أمثلة عديدة، منها على سبيل المثال وليس الحصر، موقف الإعلام المصري "الحكومي والخاص" من قرار الحكومة الحالية "حكومة المهندس شريف إسماعيل" بتعويم الجنيه المصري، وما نتج عن هذا القرار من فقدان الجنيه المصري لضعف قيمته، وارتفاع غير مسبوق في الأسعار والتضخم، وإغلاق الكثير من المصانع الصغيرة، بالإضافة إلى فقدان الكثير من الشعب المصري نصف قيمة مدخراتهم، رغم كل ذلك فإن الإعلام المصري صوَّر للشعب وللحكومة وللعالم كله أن هذا القرار إنجاز يحسب لباقي إنجازات الرئيس عبد الفتاح السيسي وحكومته "رغم أن هذا القرار لم يكن إلا موافقة من الحكومة المصرية على شروط صندوق النقد الدولي لحصول مصر على قرض جديد".
هذا على الصعيد الداخلي، وما سبق ما هو إلا أمثلة على إخفاق الإعلام المصري وفقدانه للبوصلة الإعلامية وأخلاقيات المهنة.
نأتي إلى تأثير الإعلام المصري على الشعب المصري خارجياً، نجد أن الإعلام المصري الحالي قد تسبب للشعب المصري والحكومة أيضاً في أزمات كثيرة، منها على سبيل المثال، أزمة الدولة المصرية مع شقيقتها المملكة العربية السعودية، ولا يخفى على أحد أن الإعلام المصري كان سبباً رئيسياً في فتور العلاقات بين البلدين؛ نتيجة هجوم بعض الإعلاميين المصريين على السعودية حكومةً وشعباً.
وأيضاً الأزمة الأخيرة مع دولة السودان، وما نتج عنها من احتقان بين الشعبين الشقيقين، المصري والسوداني، بل زاد الأمر حدة وأصبحت الأزمة بين الدولتين على المستوى الحكومي والشعبي، وكان الإعلام المصري هو أحد الأسباب الرئيسية في هذه الأزمة، بهجومه وسخريته من الشعب السوداني الشقيق، ضارباً بكل العلاقات التاريخية والإنسانية بين الشعبين عرض الحائط، أيضاً وفي السياق نفسه، هجوم أحد الفنانين المصريين "يقدم برنامجاً ساخراً في إحدى القنوات المصرية الخاصة" على الشعب السوري وأهل مدينة حلب بالتحديد، وتسبب ذلك في أزمة بين الشعب السوري والدولة المصرية، مما دفع بعض الإخوة السوريين إلى الاعتقاد بأن الدولة المصرية تدعم المجرم بشار الأسد، ولا ننسَ الإعلامي "ضابط أمن الدولة سابقاً" الذي اعتاد على إذاعة أخبار مفبركة، كان من ضمنها بثه لمقطع مصور من لعبة "فيديو جيم" على أنه مقطع مصور من الضربات الروسية الجوية على الأراضي السورية؛ ما أثار سخرية العالم العربي منه.
ويرجع هذا المستوى الإعلامي المتدني إلى ثلاثة أسباب:
الأول: هو جهل القائمين على منظومة الإعلام؛ سواء الحكومي أم الخاص.
الثاني: هو أن معظم القنوات الإعلامية الخاصة مملوكة لرجال أعمال تربطهم بالنظام الحاكم علاقات اقتصادية ضخمة قد تتضرر لو ذهب إعلامهم لغير ذلك.
الثالث: أن كل من حاول أن ينتقد الرئيس أو الحكومة تم التضييق عليه وإبعاده عن الظهور مرة أخرى.
ولا ننسَ أنه على المستوى الشخصي قد فقد الإعلاميون المصريون كثيراً من شعبيتهم، بل أصبحوا مكروهين في الشارع المصري، والدليل على ذلك كلما ظهر أحد هؤلاء الإعلاميين في مكان عام هوجم بالسب والقذف والضرب أحياناً.
يتضح من كل ما سبق أن الإعلام المصري أصبح ضاراً بالدولة المصرية، سواء على المستوى الحكومي أم الشعبي، بل أصبح يمثل خطراً على مصالح الدولة خارجياً وداخلياً، ويجب على الدولة المصرية محاربة هذه المنظومة الإعلامية الفاشلة، كما تحارب الإرهاب واتخاذ إجراءات جادة من جانب الدولة لإصلاح هذه المنظومة؛ لأنها تمثل -وبلا شك- قضية أمن قومي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.